للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ادعى ألآنه وَرِثَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ أَبِيهِ وَقَدْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ.

أَوِ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا جَرَحَهُ هَذِهِ الْجِرَاحَةَ فِي يَوْمِهِ، وَفُلَانٌ غَائِبٌ إِلَى نَظَائِرِ هَذَا مِنَ الدَّعَاوَى الْمُمْتَنِعَةِ فَتَكُونُ كَاذِبَةً، يُقْطَعُ بِكَذِبِ مُدَّعِيهَا، لَا يَسْمَعُهَا الْحَاكِمُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْخَصْمُ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَتِهَا، وَتَزُولُ بِهَا عَدَالَةُ الْمُدَّعِي لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الباب، فالدعوى الصحيحة ممنوعة مِنْ كُلِّ جَائِزِ الْأَمْرِ فِيمَا يَدَّعِيهِ، عَلَى كُلِّ جَائِزِ الْأَمْرِ، فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ عُرِفَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ، أَوْ لَمْ يُعْرَفْ، وَيُعْدِيهِ الْحَاكِمُ إِذَا اسْتَعْدَاهُ وَإِنْ جَلَّ قَدْرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتَصَوَّنَ.

وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْدِ بهِ عَلَى أَهْلِ الصِّيَانَةِ، فَلَا يَسْتَحْضِرْهُ الْحَاكِمُ، إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، لِئَلَّا يَسْتَبْذِلَ أَهْلَ الصِّيَانَاتِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ " وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فَأَمَرَهُ بِالتَّسْوِيَةِ وَتَرَكِ الْمَيْلِ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي عَهْدِهِ إِلَى أبي موسى: آسي بين الناس في وجهك، وعدلك، ومجلسك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضَعِيفٌ فِي عَدْلِكَ.

وَقَدِ احْتَكَمَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب عليه السلام وَيَهُودِيٌّ إِلَى شُرَيْحٍ فِي حَالِ خِلَافَتِهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُسَاوِيَ فِي الْمُحَاكَمَةِ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ، وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ خُمُولَ الْمُدَّعِي لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ ذَا حَقٍّ، وَصِيَانَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَقٌّ.

وَلِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْحَقِّ، وَعَدَمُهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ حُدُوثِ الْحَقِّ، فَلَمْ يَكُنْ لِاعْتِبَارِهَا فِي الدَّعَاوَى وَجْهٌ. وَالَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ الْحَاكِمُ فِي تَحَاكُمِ أَهْلِ الصِّيَانَةِ أَنْ يميزهم عن مجالس العامة، ويفرد لمحاكمتهم مجالسا خَاصًا يُصَانُونَ بِهِ، عَنْ بِذْلَةِ الْعَامَّةِ، يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ خُصُومِهِمْ، فَلَا تُرَدُّ فِيهِ الدعوى ولا تبتذل فيه الصيانة.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الشَّيءَ فِي يَدَيِ الرَّجُلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّه أَقْوَى سَبَبًا فَإِنِ اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ قِيلَ لِصَاحِبِ الْيَدِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَا تَجُرُّ إِلَى أَنْفُسِهَا بِشَهَادَتِهَا أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيءِ فِي يَدَيْكَ وَقَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْكَ مَا لَا تَمْلِكُهُ فَهُوَ لِفَضْلِ قُوَةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِكَ فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قِيلَ قَدِ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ والذي

<<  <  ج: ص:  >  >>