للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي: قلبت مشاق الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَرَ أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَقَلَّبْتُ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَلَمْ أَرَ أَفْضَلَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلِأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا شَرُفَتْ برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ كَانَ أَقْرَبُهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَشْرَفَ مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا تَرَتَّبُوا فِي الدِّيوَانِ بِالْقُرْبِ حَتَّى صَارُوا فِيهِ عَلَى عَشْرِ مَرَاتِبَ دَلَّ عَلَى تَمْيِيزِهِمْ بِذَلِكَ فِي الْكَفَاءَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَمِيعُ بَنِي هَاشِمٍ، وبني الْمُطَّلِبِ أَكْفَاءٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمع بينهم في سهم ذوي القربى، وجمع عمر رضي الله تعالى عنه بَيْنَهُمْ فِي الدِّيوَانِ، ثُمَّ يَلِيهِمْ سَائِرُ بَنِي عبد مناف، وبني زهرة، ولا يفضل بني عَبْدِ شَمْسٍ فِي كَفَاءَةِ النِّكَاحِ عَلَى بَنِي نوفل، ولا بَنِي عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَلَا بني عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ، وَإِنْ فَعَلْنَا ذلك في وضع الديوان لأمرين:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُشَقُّ اعْتِبَارُهُ فِي كَفَاءَةِ النِّكَاحِ ولا تشق اعْتِبَارُهُ فِي وَضْعِ الدِّيوَانِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْكَفَاءَةَ معتبرة في البطون الجامعة لا فِي الْأَفْخَاذِ الْمُتَفَرِّقَةِ، لِأَنَّنَا إِنْ لَمْ نَعُدْ إِلَى بَنِي أَبٍ أَبْعَدَ صَارَتِ الْمَنَاكِحُ مَقْصُورَةً عَلَى بَنِي الْأَبِ الْأَقْرَبِ فَضَاقَتْ، ثُمَّ جَمَعْنَا بَيْنَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي زُهْرَةَ فِي كفاءة النكاح، وإن لم يكونا بطناً واحدة لِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " صريح قريش ابناً كالأب " يَعْنِي بَنِي قُصَيٍّ، وَبَنِي زُهْرَةَ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يرجع على قُصَيٍّ بِأَبِيهِ وَإِلَى زُهْرَةَ بِأُمِّهِ فَتَقَارَبَا فِي الكفاءة بأبويه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم يلي عبد مناف وبني زهرة سائر قريش فيكونوا جَمِيعًا أَكْفَاءً، فَلَوْ كَانَ فِيهِمْ بَنُو أَبٍ له سابقة في الإسلام فهل تكافئهم الْبَاقُونَ مِنْ قَوْمِهِمْ كَبَنِي أَبِي بَكْرٍ هَلْ يُكَافِئُهُمْ قَوْمُهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَكَبَنِي عُمَرَ هل يكافئهم قومهم من بني عدي يتحمل وجهين:

أحدهما: أن يكونوا أكفاءهم بجدتهم قَدْ كَانُوا قَبْلَ الْكَثْرَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى إِنْكَاحِ بني أبينهم أَكْفَاءً لِعَشَائِرِهِمْ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْكَثْرَةِ وَالْقُدْرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثاني: لا يكونوا أكفاءهم لما قد تميزوا مِنْ فَضْلِ الشَّرَفِ وَالسَّابِقَةِ وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونُوا قَبْلَ الْكَثْرَةِ أَكْفَاءً غَيْرَ مُتَمَيِّزِينَ، وَبَعْدَ الْكَثْرَةِ مُتَمَيِّزِينَ كَمَا تَمَيَّزَتْ بَنُو هَاشِمٍ بَعْدَ الْكَثْرَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزُوا قَبْلَ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوَالِي قُرَيْشٍ هَلْ يَكُونُوا أكفاء فِي النِّكَاحِ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ من مَوَالِي ذَوِي الْقُرْبَى هَلْ يُشَارِكُونَهُمْ فِي سَهْمِهِمْ مِنَ الْخُمُسِ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ فِي قُرَيْشٍ.

فَأَمَّا سَائِرُ الْعَرَبِ سِوَى قُرَيْشٍ فَهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي قُرَيْشٍ، فَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ أَنْ جَمِيعَهُمْ أَكْفَاءٌ مِنْ عَدْنَانَ وَقَحْطَانَ، لِأَنَّ فِي عَدْنَانَ سَابِقَةَ الْمُهَاجِرِينَ، وَفِي قَحْطَانَ سَابِقَةَ الْأَنْصَارِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْبَغْدَادِيِّينَ: إِنَّهُمْ يَتَفَاضَلُونَ ولا يتكافؤون فَتُفَضَّلُ مُضَرُ فِي الْكَفَاءَةِ عَلَى رَبِيعَةَ، وَيُفَضَّلُ عَدْنَانُ عَلَى قَحْطَانَ اعْتِبَارًا بِالْقُرْبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَدْ سَمِعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَجُلًا يَنْشُدُ.

(إِنِّي امرؤ حميري حين تسبني ... لَا مِنْ رَبِيعَةَ آبَائِي وَلَا مُضَرَ)

فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: ذَاكَ أَهْوَنُ لِقَدْرِكَ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنَ اللَّهِ، فَلَوْ تَقَدَّمَتْ قَبِيلَةٌ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>