قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا قَتَلَ الْعَبْدُ بِجِنَايَةٍ أَوْ مَاتَ فِي يَدِهَا مِنْهُ فَفِيهِ قِيمَةُ مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ ضِعَافًا، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ العِرَاقِيِّينَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يُضْمَنُ فِي الْيَدِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مَا بَلَغَتْ، وَيُضْمَنُ فِي الْجِنَايَةِ بِقِيمَتِهِ إِلَّا أَنْ تبلغ دية حر أو تزيد عليها فتنتقض عن دية الحر عشر دَرَاهِمَ حَتَّى لَا يُسَاوِيَهُ فِي دِيَتِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً قَدْ زَادَتْ قِيمَتُهَا عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ نَقَصَتْ عَنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.
وَقِيلَ: خَمْسَةَ دراهم؛ لأن لا تُسَاوِيَ دِيَةَ الْحُرِّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مَضْمُونٌ بِالْجِنَايَةِ فَلَمْ يُضْمَنْ بِأَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْجِنَايَةِ ضَمَانَ النُّفُوسِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ بِمُقَدَّرٍ كَالْأَطْرَافِ، وَلِأَنَّ نَقْصَهُ بِالرِّقِّ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ بَدَلِهِ كَالنَّاقِصِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا أُوجِبُ فِي الْمَمْلُوكِ مِمَّا أُوجِبُ فِي الْمَالِكِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] والمثل في الشرع مثلان: مثل يفي الصُّورَةَ، وَمِثْلٌ فِي الْقِيمَةِ فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرِ الْمِثْلُ فِي الصُّورَةِ اعْتُبِرَ فِي الْقِيمَةِ مَا بَلَغَتْ، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَغْلَظُ مِنْ حُرْمَةِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ كَانَتِ الْبَهِيمَةُ مَضْمُونَةً بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يُضْمَنَ الْعَبْدُ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا بِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ: أَنْ تَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا: إِنَّهُ مَمْلُوكٌ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا تتقدر قِيمَتُهُ كَالْبَهِيمَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَمْ يَتَقَدَّرْ أَقَلُّ قِيمَتِهِ لَمْ تَتَقَدَّرْ أَكْثَرُهَا كَالْبَهِيمَةِ، وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ أَغْلَظُ مِنْ ضَمَانِهِ بِالْيَدِ، ثُمَّ كَانَ فِي الْيَدِ مَضْمُونًا بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يُضَمَّنَ فِي الْجِنَايَةِ بِجَمِيعِ قِيمَتِهِ. وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِهِ قِيمَةَ الْمَضْمُونِ كَالضَّمَانِ بِالْيَدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا ضُمِنَتْ قيمته باليد ضمنت قيمه بِالْجِنَايَةِ كَالنَّاقِصِ الْقِيمَةِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُتَرَدِّدُ الْحَالِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْحُرُّ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ يَجِبُ فِي قَتْلِهِ الْقَوَدُ وَالْكَفَّارَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute