بِقَتْلِهِ كَالضَّبُعِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ مَا حَلَّ قَتْلُهُ فِي حَالِ الْإِحْلَالِ جَازَ أَنْ يُحَرَّمَ قَتْلُهُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ كَسَائِرِ الصَّيْدِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بَلْ يَجِبُ فِيمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَالسِّمْعِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ وَكَالْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَالْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ.
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: خمسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَفِيهِ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَصَّ عَلَى قَتْلِ مَا يَقِلُّ ضَرَرُهُ؛ لِيُنَبِّهَ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ مَا يَكْثُرُ ضَرَرُهُ فَنَصَّ عَلَى الْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ؛ لِيُنَبَّهَ عَلَى الْعُقَابِ وَالرَّخَمَةِ، وَنَصَّ عَلَى الْفَأْرَةِ، لِيُنَبَّهَ عَلَى حَشَرَاتِ الْأَرْضِ، وَعَلَى الْعَقْرَبِ؛ لِيُنَبَّهَ عَلَى الْحَيَّةِ، وَعَلَى الْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ لِيُنَبَّهَ عَلَى السُّبُعِ وَالْفَهْدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، وَإِذَا أَفَادَ النَّصُّ دَلِيلًا وَتَنْبِيهًا كَانَ حُكْمُ التَّنْبِيهِ مُسْقِطًا لِدَلِيلِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ تعالى: {وَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) {الإسراء: ٢٢) ، فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ، وَدَلِيلُ لَفْظِهِ يَقْتَضِي جَوَازَ الضَّرْبِ، فَقَضَى بِتَنْبِيهِهِ عَلَى دَلِيلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبَاحَ قَتْلَ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَاسْمُ الْكَلْبِ يَقَعُ عَلَى السُّبُعِ لُغَةً وَشَرْعًا.
أَمَا اللُّغَةُ: فَلِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّكَلُّبِ وَهُوَ الْعَدْوَى وَالضَّرَارَةُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي السَّبُعِ.
وَأَمَّا الشَّرْعُ فَمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَا عَلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ فَأَكَلَهُ السَّبُعُ فِي طَرِيقِ الشَّامِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هَشِيمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي نعم عن الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سئل عما يحل للمحرم قتله فقال: " الحية والعقرب وَالْفُوَيْسِقَةُ وَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالسَّبُعُ الْعَادِيُّ "، وَهَذَا نَصٌّ فِي إِبَاحَةِ قَتْلِ السَّبُعِ ودليلٌ عَلَى سُقُوطِ الْجَزَاءِ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ عَلَى صفةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فيه عدوى وقتل ذلك مباحٌ قبل السِّبَاعُ كُلُّهَا مَوْصُوفَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا عَدْوَى، كَمَا يُوصَفُ السَّيْفُ بِأَنَّهُ قَاطِعٌ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَطْعُ، وَالنَّارُ بِأَنَّهَا محرقةٌ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا الْإِحْرَاقُ؛ وَلِأَنَّهُ متولدٌ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُ شيءٍ مِنْ جِنْسِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ الْجَزَاءُ فِي قَتْلِهِ كَالذِّئْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute