فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " البينة على المدعي واليمنين عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ " فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَيْهِمْ، بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنَّهُ يُحْمَلُ قَوْلُهُ: " الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي " إِنَّهَا تُسْمَعُ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا تُسْمَعُ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ. أَنْ يَكُونَ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَنْ سُمِعَتْ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ، وَسَمِعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَى تَأْوِيلَيْنِ مُسْتَعْمَلَيْنِ، ثُمَّ أَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي جِنْسِ الْأَيْمَانِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَالْعُمُومُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ بَعْضِهِ فَيُخَصُّ هَذَا بِأَدِلَّتِنَا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الْيَدَ مُوجِبَةٌ لِلْمِلْكِ، فَلَمْ يَسْتَفِدْ صَاحِبُهَا بِالْبَيِّنَةِ، مَا لَمْ يَسْتَفِدْهُ بِيَدِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْيَدَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَلَا تُوجِبُهُ، لِأَنَّ الْيَدَ قَدْ تَكُونُ لِغَصْبٍ، أَوْ أَمَانَةٍ، أَوْ إِجَارَةٍ فَلَمْ تُوجِبِ الْمِلْكَ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الظَّاهِرِ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمِلْكِ بِغَيْرِ يَمِينٍ. فَصَارَ مُسْتَفِيدًا بِالْبَيِّنَةِ، مَا لَا يَسْتَفِيدُهُ بِيَدِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا أَوْجَبَتِ الْمِلْكَ وَالْيَدُ لَا تُوجِبُهُ.
وَالثَّانِي: إِنَّهَا أَسْقَطَتِ الْيَمِينَ، وَالْيَدُ لَا تُسْقِطُهَا.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي مَا قَدَّمْنَاهُ إِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي، قَدْ رَفَعَتْ يَدَهُ فِي الْحُكْمِ، فَاسْتَفَادَ بِالْبَيِّنَةِ إِقْرَارَ يَدِهِ عَلَى الْمِلْكِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ، إِنَّهُ لَمَّا لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّيْنِ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ فِي الْيَمِينِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الدَّيْنِ، فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي تَكُونُ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ، وَالْبَيِّنَةُ، تُسْمَعُ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَلَا تُسْمَعُ عَلَى النَّفْيِ، وَهِيَ عَلَى الْأَيْمَانِ مُوجِبَةٌ لِلْإِثْبَاتِ فِي الْجِهَتَيْنِ فَسُمِعَتْ مِنْهُمَا.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّهَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِي الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إِذَا شَهِدَتْ بِالْقَضَاءِ، فَصَارَتْ مَسْمُوعَةً مِنَ الْجِهَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَمَّا لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا تُسْمَعَ مَعَ وُجُودِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، فَهُوَ أَنَّ لِأَصْحَابِنَا فِي سَمَاعِهَا وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا: