ثُمَّ يُقَالُ؛ مَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الثَّانِيَةِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ الْأَرْبَعَةَ مَحَلٌّ لَهُ فَلَمْ يَسْلَمِ التَّعْلِيلُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا وَضَحَ الْفَرْقُ بِمَا بَيَّنَّاهُ.
وَلِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ إِذَا سَرَقَهَا غَيْرُ سارقها قطع، فوجب إذا سرقها أَنْ يُقْطَعَ كَالْغَزْلِ إِذَا نُسِجَ.
فَإِنْ قِيلَ: لأن الثَّوْبَ الْمَنْسُوجَ لَا يُسَمَّى غَزْلًا فَجَازَ أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ ثَانِيًا انْتَقَضَ عَلَى أَصْلِهِ بِالْجَدْيِ إِذَا قُطِعَ فِيهِ ثُمَّ سَرَقَهُ وَقَدْ صَارَ تَيْسًا لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ جَدْيًا. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَالْعَيْنِ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِالْغَزْلِ إِذَا نُسِجَ فَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ فِي الْعَيْنَيْنِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِذَلِكَ قُطِعَ فِيهَا قَطْعًا وَاحِدًا، وَالْفِعْلَانِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ سَرِقَتَانِ فَلِذَلِكَ قُطِعَ فِيهَا قَطْعَانِ، ويدل عليها الأيمان.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْقَذْفِ مَعَ انْتِقَاضِهِ بِالْغَزْلِ إِذَا نُسِجَ فَهُوَ أَنَّ حَدَّهُ فِي الْقَذْفِ قَدْ أَثْبَتَ كَذِبَهُ فَلَمْ يُحَدَّ فِي الثَّانِي مَعَ ثُبُوتِ كَذِبِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِصَغِيرَيْنِ لَا يُجَامِعُ مِثْلُهُمَا: قَدْ زَنَيْتُمَا لَمْ يُحَدَّ لَهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعُ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحِرَاسَتِهِ فَكَانَ مَعْنَى الْقَطْعِ فِي الْأَوَّلِ مَوْجُودًا فِي السَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فَقُطِعَ فِيهَا ثَانِيَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute