للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سهم المؤلفة ولم يبلغني أن عمر ولا عثمان ولا عليا رضي الله عنهم أعطوا أحدا تألفا على الإسلام وقد أغنى الله - فله الحمد - الإسلام عن أن يتألف عليه رجال (وقال في الجديد) لا يعطى مشرك يتألف على الإسلام لأن الله تعالى خول المسلمين أموال المشركين لا المشركين أموال المسلمين وجعل صدقات المسلمين مردودة فيهم ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا وأبا حنيفة أَسْقَطَا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ كَمَا أَسْقَطَ أبو حنيفة سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى لِلِاسْتِغْنَاءِ بِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَاسْتِعْلَاءِ أَهْلِهِ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، فَأَمَّا سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَا سَنَشْرَحُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: ٦٠] وَتَآلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَلِكَ، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضَرْبَانِ مُسْلِمُونَ، وَمُشْرِكُونَ.

فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَشْرَافٌ مُطَاعُونَ فِيهِمْ قُوَّةٌ وَبَأْسٌ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ نِيَّاتٌ لَكِنَّهُمْ إِنْ أُعْطُوا كَفُّوا عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَنْ أَذَاهُمْ مُجْتَازِينَ، أَوْ مُسَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا قَاتَلُوهُمْ وَتَتَبَّعُوهُمْ بِالْأَذَى فِي أَسْفَارِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ مِثْلَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ فَقَدْ كَانَ ذَا غِلْظَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَ أَهْلَ بَنِي مَعُونَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَتَآلَفُهُ وَيَسْتَكِفُّهُ فَأَتَى الْمَدِينَةَ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ شَارِكْنِي فِي أَمْرِكَ، وَكُنْتَ أَنْتَ عَلَى الْمَدَرِ وَأَنَا عَلَى الْوَبَرِ، فَقَالَ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ ذَلِكَ لِي قَالَ وَاللَّهِ لِأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَأَبْنَاءِ قَبِيلَةِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ بِأَخْبَثِ نِيَّةٍ فَأَخَذَتْهُ غُدَّةٌ مَاتَ بِهَا وَقَدْ نَزَلَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ سَلُولٍ قَالَ: وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مِنَ الْكُفَّارِ أَشْرَافٌ وَمُطَاعُونَ لهم في الإسلام ونيات لَمْ تُخْلَصْ إِنْ أُعْطُوا قَوِيَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا بَقَوْا عَلَى كُفْرِهِمْ مِثْلَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ ذَا نِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَاسْتَعَارَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَدَاةً فَأَعَارَهُ مِائَةَ دِرْعٍ وَحَضَرَ مَعَهُ حُنَيْنًا وَقَالَ قَدِ انْهَزَمَتِ الصَّحَابَةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْعَةِ أحسن مما قاله بعض المسلمون الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَامَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ غَلَبَتْ هَوَازِنُ، وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِفِيكَ الْحَجَرُ، وَاللَّهِ لَرَبُّ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَبِّ هَوَازِنَ، فَلَمَّا انْجَلَتِ الْوَقْعَةُ وَأُحِيزَتْ غَنَائِمُ هَوَازِنَ أَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهَا مِائَةَ بَعِيرٍ، فَلَمَّا رَآهَا وَقَدِ امْتَلَأَ بِهَا الْوَادِي فَقَالَ هَذَا عَطَاءُ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ.

هَذَانِ الضَّرْبَانِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تَأَلَّفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي جَوَازِ تَآلُفِهِمُ الْآنَ بَعْدَ وَفَاتِهِ قَوْلَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>