للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصٌ عَنِ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ زَكَاةٌ كَالْمُنْفَرِدِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بِالْحَوْلِ وَالنِّصَابِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرٌ فِي الْحَوْلِ وَوَجَبَ اعْتِبَارُ حَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي النِّصَابِ، وَيُعْتَبَرُ نِصَابُ كل واحد منهما، على انفراد، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ شَرْطَيِ الزَّكَاةِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِالْخُلْطَةِ كَالْحَوْلِ، وَلِأَنَّ النِّصَابَ الَّذِي يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ مُقَدَّرٌ كَمَا أَنَّ النِّصَابَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مُقَدَّرٌ، فَلَمَّا كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَبْلُغَ سَرِقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخُلَطَاءُ فِي الْمَالِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِقَدْرٍ مِنَ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ حُكْمُ الِاشْتِرَاكِ وَالِانْفِرَادِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أربعين شاة شاة، وفي خمس من الْإِبِلِ شاةٌ، وَفِي ثَلَاثِينَ بقرةٍ تبيعٌ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَالِكٍ أَوْ مُلَّاكٍ وَرَوَى الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ".

وفيه تأويلان:

أحدهما: قوله " لا يجمع بين مفترق، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " أَيْ: لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ مُفْرَدَةٌ، فَلَا تُجْمَعُ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، وَتَكُونُ عَلَى تَفْرِيقِهَا لِيُؤْخَذَ مِنْهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً بَيْنَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مُجْتَمِعَةٌ، فَلَا تُفَرَّقُ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَتَكُونُ عَلَى اجْتِمَاعِهَا لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ، وَقَالَ أبو حنيفة أَحْمِلُ قَوْلَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ عَلَى الْأَمْلَاكِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ عَلَى الْمِلْكِ الْوَاحِدِ، لَا عَلَى الْأَمْلَاكِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً، فَلَا تُفَرَّقُ لِيُؤْخَذَ منها ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَتَكُونُ عَلَى اجْتِمَاعِهَا فِي الْمَالِ لِيُؤْخَذَ مِنْهَا شَاةٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بِقَوْلِهِ " فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ " فَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى اسْتِفَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ أَوْلَى.

وَالثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ تَفْرِيقٍ، مَا نَهَى عَنْ جَمْعِهِ، فَلَمَّا كَانَ نَهْيُ الْجَمْعِ فِي الْأَمْلَاكِ لَا في الملك، وجب أن يكون نهي التَّفْرِيقِ فِي الْأَمْلَاكِ لَا فِي الْمِلْكِ، فَصَحَّتْ هذه الدلالة من الخبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>