للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: لِأَنَّ جَوَابَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ خَرَجَ مِنْهُمَا مَخْرَجَ الْفُتْيَا دُونَ الْحُكْمِ فَلِذَلِكَ رَدَّهُ إِلَى عَلِيٍّ حَتَّى حَكَمَ بِاللَّفْظِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَوْ كَانَ جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ حُكْمًا لما استجاز رده إلى غيره.

(استخلاف القاضي غَيْرِهِ)

فَأَمَّا الْقَاضِي إِذَا قَلَّدَهُ الْإِمَامُ عَمَلًا فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ تَقْلِيدِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَجْعَلَ لَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ سَوَاءٌ قَلَّ عَمَلُهُ أَوْ كَثُرَ. لَكِنَّهُ إِنْ قَلَّ وَقَدَرَ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ كَانَ فِي الِاسْتِخْلَافِ مُخَيَّرًا، وَإِنْ كَثُرَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ كَانَ الِاسْتِخْلَافُ عَلَيْهِ وَاجِبًا.

ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ مِصْرًا كَبِيرًا وَسَوَادًا كَثِيرًا قَضَى فِي الْمِصْرِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى السَّوَادِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فَاخْتَصَّ فِي الْمَتْبُوعِ لَا بِالتَّابِعِ.

وَإِنْ كَانَا مِصْرَيْنِ مُتَكَافِئَيْنِ كَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَقْضِيَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ وَيَسْتَخْلِفَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.

وَلَهُ إِذَا حَكَمَ فِي أَحَدِهِمَا أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى بَلَدِ خَلِيفَتِهِ يَنْقُلَ خَلِيفَتَهُ إِلَى بَلَدِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ عَيَّنَ لَهُ الْحُكْمَ فِي أَحَدِهِمَا وَالِاسْتِخْلَافَ عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَمَّا عُيِّنَ لَهُ وَتَكُونُ وِلَايَتُهُ عَلَى الْبَلَدِ الْآخَرِ مَقْصُورَةً عَلَى اخْتِيَارِ النَّاظِرِ فِيهِ دُونَ الْحُكْمِ.

فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى مَنْ يَسْتَخْلِفُهُ فِيهِ صَارَتْ وِلَايَتُهُ عَلَيْهِ مَقْصُورَةً عَلَى تَنْفِيذِ وِلَايَةِ الْمُسْتَخْلَفِ وَمُرَاعَاتِهِ وَخَرَجَتْ عَنْ وِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَزَلَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ التَّعْيِينَ عَلَيْهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنِ اسْتِخْلَافِ غَيْرِهِ.

فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُعَيَّنُ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَنْفِيذُ اسْتِخْلَافِهِ لِفَسَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِخْلَافُ غَيْرِهِ لِمَنْعِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي بَلَدِ حُكْمِهِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ.

فَإِنْ تَنَازَعَ خَصْمَانِ فِيهِ وَفِي خَلِيفَتِهِ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُحَاكَمَةَ إِلَيْهِ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْمُحَاكَمَةَ إِلَى خَلِيفَتِهِ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فِي يَوْمِ التَّنَازُعِ نَاظِرًا فَالدَّاعِي إِلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الدَّاعِي إِلَى خَلِيفَتِهِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي فِيهِ تَارِكًا وَخَلِيفَتُهُ نَاظِرًا كَانَ الدَّاعِي إِلَى خَلِيفَتِهِ أَوْلَى مِنَ الدَّاعِي إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَعْجَلُ.

فَإِنْ جَعَلَ لَهُ الْإِمَامُ عَلَى الْقَضَاءِ رِزْقًا نُظِرَ: فَإِنْ سَمَّى الرِّزْقَ لَهُ اخْتُصَّ بِهِ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>