للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ يَدْخُلُ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحجاجينَ.

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ: فَإِنَّهُ احْتَجَّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ، بِشَيْئَيْنِ:

أحدهما: أن قَالَ: أَصْلُ قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ، وَعَيْنٌ مَعْرُوفَةٌ.

والثاني: أن قَالَ: فَإِنَّهُ يَبْطُلُ بَيْعُ الثَّوْبِ يُرَى بَعْضُهُ، فَكَيْفَ يُجِيزُ شري مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ قَطُّ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ ثَوْبٌ أَمْ لَا، حَتَّى يُجْعَلَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ.

وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا قَالَ: الْبَيْعُ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُجِيزُ فِيهِ بَيْعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.

فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ، فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فِي بَابِ بَيْعِ الْعُرُوضِ وَلَا يَجُوزُ مِنَ الْبُيُوعِ إِلَّا ثَلَاثَةً: بَيْعُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ، وَبَيْعُ عَيْنٍ غَائِبَةٍ، فَإِذَا رَآهَا الْمُشْتَرِي فَلَهُ الْخِيَارُ، وَصِفَةٌ مَضْمُونَةٌ، فَبَطَلَ هَذَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَصَدَ بِقَوْلِهِ: الْبَيْعُ بَيْعَانِ، الْفَرْقَ بَيْنَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ الْمَضْمُونَةِ فِي الذِّمَمِ، وَبَيْنَ بُيُوعِ الْأَعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ فِي الذِّمَمِ. وَهَذَا يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: عَيْنٌ حَاضِرَةٌ، وَعَيْنٌ غَائِبَةٌ.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي بَيْعِ الثَّوْبِ يُرَى بَعْضُهُ: فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا أَبْطَلَ بَيْعَ الثَّوْبِ يُرَى بَعْضُهُ، عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُجِيزُ فِيهِ بَيْعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُجِيزُهُ، فَهَذَا الْبَيْعُ أَجْوَزُ، وَكَيْفَ يُجِيزُ بَيْعَ مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ؟ وَلَا يُجِيزُ بَيْعَ ذَلِكَ الشَّيْءَ وَقَدْ رَأَى بَعْضَهُ؟ هَذَا مِمَّا لَا يُتَوَهَّمُ عَلَى الشَّافِعِيِّ.

فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ احْتِجَاجُ الْمُزَنِيِّ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ بَيْعَ الثَّوْبِ يُرَى بَعْضُهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا رَأَى بَعْضَهُ اجْتَمَعَ فِيهِ حُكْمَانِ مُخْتَلِفَانِ، لِأَنَّ مَا رَأَى مِنْهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَرَ مِنْهُ لَهُ فِيهِ الْخِيَارُ، فَصَارَا حُكْمَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ جَمَعَهُمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ، فَبَطَلَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ غَائِبًا كُلَّهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ إِنَّمَا أُجِيزَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ عِنْدَ تعذر الرؤية، النَّفْعَ الْعَاجِلَ لِلْبَائِعِ بِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ، وَلِلْمُشْتَرِي بِالِاسْتِرْخَاصِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْعَيْنِ الْحَاضِرَةِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَيْسَتْ دَاعِيَةً إِلَيْهِ وَلَا الرُّؤْيَةَ مُتَعَذِّرَةٌ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>