وَأَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعَ الْحَرَمِ. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: ٩١] . فَجَعَلَهَا حَرَامًا، وَالْحَرَامُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: رِبَاعُ مَكَّةَ لَا تُبَاعُ وَلَا تُؤَاجَرُ.
(وَرَوَى عَلْقَمَةُ بْنُ نَضْلَةَ الْكِنَانِيُّ) قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَكَانَتْ بُيُوتُ مَكَّةَ تُدْعَى بِالسَّوَائِبِ. وَمَعْنَاهُ طَلْقٌ تَشْبِيهًا بِالسَّوَائِبِ.
وَلِأَنَّهَا بُقْعَةٌ يُضْمَنُ صَيْدُهَا بِالْجَزَاءِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] . فَأَضَافَ الدِّيَارَ إِلَيْهِمْ كَإِضَافَةِ الْأَمْوَالِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَسَائِرِ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي تَمْلِيكِهَا وَجَوَازِ بَيْعِهَا فَكَذَلِكَ الدِّيَارُ.
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: " مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ". فَأَضَافَ الدَّارَ إِلَيْهِ. وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَجَةِ الْوَدَاعِ أَيْنَ تَنْزِلُ أَفِي دُورِ عَمَّاتِكَ أَوْ خَالَاتِكَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِيعٍ، نَحْنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ مِنًى.
فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَرِثَ أَبَاهُ مَعَ أَخِيهِ طَالِبٌ دُونَ عَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ، لِأَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ كَافِرًا وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ وَكَانَ عَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ مُسْلِمَيْنِ فَبَاعَ عَقِيلٌ دُورَ أَبِيهِ الَّتِي وَرِثَهَا، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً وَكَانَ بَيْعُهَا بَاطِلًا لَمَا أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَأَقَرَّ مِلْكَ الدُّورِ عَلَى حُكْمِهَا الْأَوَّلِ.
وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْأَعْصَارِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِلَى وَقْتِنَا يَتَبَايَعُونَ مَنَازِلَ مَكَّةَ وَيُشَاهِدُونَ ذَلِكَ من غيره وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَاعَ دَارَ بَنِي جَحْشٍ بِمَكَّةَ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقال: ألا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute