بِيعَتْ بَرِيرَةُ قِيلَ هِيَ الْمُسَاوِمَةُ بِنَفْسِهَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالْمُخْبِرَةُ بِالْعَجْزِ بِطَلَبِهَا أُوقِيَّةً وَالرَّاضِيَةُ بِالْبَيْعِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بَيْعِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لِلْمُشْتَرِي، وَحَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
وَبِهِ قَالَ عطاء النخعي وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ إِنْ عَتَقَ لِلْبَائِعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَسَائِرِ كُتُبِهِ إِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ.
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إلى جواز بيعه براوية هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُوتِبَتْ بَرِيرَةُ عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةٌ، فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَسْتَعِينُهَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتِ عَدَدْتُ لَهُمْ مَالَهُمْ عَدَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِي، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَذَكَرَتْ لَهُمْ ذَلِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ وَجَاءَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَارَّتْهَا بِمَا قِيلَ لَهَا: فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَا آذَنُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَمَا ذَاكَ؟ . فَقَالَتْ: أَتَتْنِي بَرِيرَةُ تَسْتَعِينُنِي فِي كِتَابَتِهَا، فَقُلْتُ: لَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ الْوَلَاءُ لِي فَذَهَبَتْ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْتَاعِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَاشْتَرَتْهَا، فَأَعْتَقَتْهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُونَ: أَعْتِقْ فُلَانًا وَالْوَلَاءُ لِي إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَهُوَ نَصٌّ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَالْعَبْدِ فِي عَامَّةِ أَحْكَامِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَالْعَبْدِ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ حُرٌّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ، مِنَ الْمَعَانِي الْخَمْسَةِ فِي فَسَادِ بَيْعِ نُجُومِهِ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ عَاوَضَ عَلَى رَقَبَتِهِ بِكِتَابَتِهِ حَتَّى زَالَ مِلْكُهُ عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ بَيْعِهِ، كَالْعَبْدِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ الْبَيْعَ إِنْ تَوَجَّهَ إِلَى نُجُومِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ عَلَيْهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَى الرَّقَبَةِ اقْتَضَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute