للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ بِجَائِحَةٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الثلث فصاعدا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الثُّلْثِ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ الْجَوَائِحَ مَضْمُونَةً عَلَى الْبَائِعِ بِحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ ".

وَبِحَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِنْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ " وَهَذَا نَصٌّ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الثَّمَرَةَ لَا يَتِمُّ قبضها إلا بحدها من نخلها بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ عَطِشَتْ وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ بِحُدُوثِ هَذَا الْعَيْبِ، وَمَا حَدَثَ مِنَ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ، وَإِذَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً مِنْ مَالِ بَائِعِهَا لِأَنَّ مَا لَمْ يُقْبَضْ مَضْمُونٌ عَلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي.

قَالُوا: وَلِأَنَّ قَبْضَ الثَّمَرَةِ مُلْحَقٌ بِمَنَافِعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الثِّمَارِ أَنْ تُأْخَذَ لُقَطَةً بَعْدَ لُقَطَةٍ، كَمَا تُسْتَوْفَى مَنَافِعُ الدَّارِ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ، فَلَمَّا كَانَ تَلَفُ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مُبْطِلًا لِلْإِجَارَةِ وَإِنْ حَصَلَ التَّمْكِينُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَلَفُ الثَّمَرَةِ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْجِدَادِ مُبْطِلًا لِلْبَيْعِ وَإِنْ حَصَلَ التَّمْكِينُ.

وَدَلِيلُ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ الْجَوَائِحَ لَا يَضْمَنُهَا الْبَائِعُ وَلَا يَبْطُلُ بِهَا الْبَيْعُ، مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَزْهي، قِيلَ وَمَا تَزْهَى، قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ ".

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ " فَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْجَائِحَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْبَائِعِ لَمَا اسْتَضَرَّ الْمُشْتَرِي بِالْجَائِحَةِ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، وَلَمَا كَانَ لِنَهْيِهِ عَنْهُ حِفْظًا لِمَالِ الْمُشْتَرِي وَجْهًا لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ إِنْ تَلَفَ فِي الْحَالَيْنِ بِالرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمَّا نَهَى عَنِ الْبَيْعِ في الحال التي يخالف من الجائحة فيها لأن لا يَأْخُذَ مَالَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَقٍّ، عَلِمَ أَنَّ الْجَائِحَةَ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْبَائِعِ، وَأَنَّهَا مَضْمُونَةً فِيمَا صَحَّ بَيْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي.

وَرَوَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَارَةً مُرْسَلًا وَتَارَةً مُسْنَدًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ابْتَاعَ مِنْ رَجُلٍ ثَمَرَةً فَأُصِيبَ فِيهَا فَسَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يَحُطَّهُ شَيْئًا فَحَلَفَ بِاللَّهِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>