للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَلَهَا السُّكْنَى، وَالنَّفَقَةُ إِلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا، وَهَذَا إِجْمَاعٌ.

وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ إِمَّا بِالْخُلْعِ أَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَةَ.

وَالثَّانِي: هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ. وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَهَا السُّكْنَى وَلَيْسَ لَهَا النفقة، وبه قال من ال الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى.

فَأَمَّا وُجُوبُ السُّكْنَى فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ.

وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] وَفِي الِامْتِنَاعِ مِنَ النَّفَقَةِ ضِرَارٌ قَدْ نَهَى عَنْهُ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا لَهَا.

وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ: مَا جَعَلَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً، قَالَ عُمَرُ: لَا نَدَعُ كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلمها غَلِطَتْ أَوْ نَسِيَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ " وَهَذَا نَصٌّ.

قَالُوا: وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالرَّجْعِيَّةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَنِ الْأَزْوَاجِ لِحَقِّهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهَا النَّفَقَةُ كَالزَّوْجَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَتَكَرَّرُ وُجُوبُهُ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْبَيْنُونَةِ كَالسُّكْنَى.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق: ٦] ، فَجَعَلَ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةَ مَشْرُوطَةً بِالْحَمْلِ، فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِهَا بِعَدَمِ الْحَمْلِ وَرُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَبَتَّ زَوْجُهَا طَلَاقًا فَأَتَاهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ وَأَتَتِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَسْأَلُهُ عَنْ نَفَقَتِهَا فَقَالَ: " لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>