للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ "، فَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةً لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَأَخُّرَهُ، وَلَنَهَاهُ عَنْ مِثْلِهِ، وَلَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الصَّلَاةَ معه صدقة عليه، ولأنها تؤدى صلاة جَمَاعَةً وَفُرَادَى فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَالنَّوَافِلِ

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٢] فَالْمُرَادُ بِهَا تَعْلِيمُ صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَبَيَانُهَا عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي حِرَاسَتِهِمْ، لِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ اشْتَغَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يُؤْمَنْ سَطْوَةُ الْعَدُوِّ بِهِمْ عِنْدَ انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ مِنْهُمْ لِشُغْلِهِمْ، وَلَوْ أُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا مَعًا لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَفْتَرِقُوا فَرِيقَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِفَرِيقٍ وَيَحْرُسَهُمْ فَرِيقٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثُمَّ أُخَالِفَ عَلَى رِجَالٍ لَمْ يَشْهَدُوا الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ " هُوَ أَنَّ تَحْرِيقَ بُيُوتِهِمْ لِنِفَاقِهِمْ لَا لِتَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجَمَاعَةِ غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِتَخَلُّفِهِمْ عَلَى نِفَاقِهِمْ

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَعِيدَ لِأَجْلِ النِّفَاقِ لَا لِأَجْلِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ شَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَرْقُ الدُّورِ، وَنَهْبُ الْأَمْوَالِ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِجْمَاعِ

والثاني: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخَبَرِ: " ثُمَّ أُخَالِفُ إِلَى رِجَالٍ لَمْ يَشْهَدُوا الصَّلَاةَ " وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهِ وَأَدَّاهَا جَمَاعَةً فِي مَنْزِلِهِ قد أدى أنه فَرْضَهُ مِنْ غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ " فَالْمُرَادُ بِهِ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: فَيُحْمَلُ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِنَا أَنَّ الضَّرِيرَ مَعْذُورٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهَا

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بيْننا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يحضُروا الْمَغْرِبَ وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ " فَجَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ طَائِفَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ وَأَصْحَابِهِ لِتَخْصِيصِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَعَ اسْتِوَاءِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>