للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَعْلهَا أَبُو حَنِيفَةَ شَهَادَةً بِالْقُطْنِ، دُونَ الثَّوْبِ، وَالْغَزَلِ، وَبَنَى ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا عَمِلَ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا يُغَيِّرُ عَنْ حَالِهِ، كَانَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَغَرِمَ لَهُ بَدَلَ أَصْلِهِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْغَصْبِ، وَأَنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَاصِبِهِ.

فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَنْسُوجًا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ غَزْلًا، وَقُطْنًا، وَهُوَ الْأَغْلَبُ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُ الْيَدِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى الْمَالِكِ.

وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَهُوَ نَادِرٌ، رَجَعَ الْمَالِكُ بِنُقْصَانِهِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ مِنْ أَكْثَرِ قِيمَتِهِ قُطْنًا، أَوْ غَزْلًا، وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَظَائِرِ هَذَا إِذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَةِ زَيْدٍ، وَهَذِهِ الدَّنَانِيرَ مِنْ ذَهَبِهِ، وَهَذِهِ الدَّرَاهِمَ مِنْ فِضَّتِهِ، وَهَذِهِ النَّخْلَةَ مِنْ نَوَاتِهِ، وَهَذَا الزَّرْعَ مِنْ بَذْرِهِ، كَانَتْ لَهُ شَهَادَةٌ بِمِلْكِ ذَلِكَ، سَوَاءً كَانَ بِعَمَلِ صَاحِبِ الْيَدِ، أَوْ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنْ تَغَيَّرَ بِعَمَلِ صَاحِبِ الْيَدِ مِلْكَهُ.

فَعَلَى هَذَا يَقُولُ إِنْ نَبَتَتِ النَّوَاةُ نَخْلَةً بِنَفْسِهَا، وَنَبَتَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ بِنَفْسِهِ، كَانَ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ كَانَ بِعَمَلِ صَاحِبِ الْيَدِ، كَانَ لَهُ، يقول فِي رَجُلٍ غَصَبَ دَجَاجَةً فَبَاضَتْ بَيْضَتَيْنِ حَضَنَتِ الدَّجَاجَةُ إِحْدَاهُمَا حَتَّى صَارَتْ فَرْخًا وَحَضَنَ الْغَاصِبُ الْأُخْرَى، إِمَّا تَحْتَ الدَّجَاجَةِ، أَوْ تَحْتَ غَيْرِهَا حَتَّى صَارَتْ فَرُّوجًا كَانَ الْفَرْخُ الْأَوَّلُ لِمَالِكِ الدَّجَاجَةِ، وَالْفُرُوجِ الثَّانِي لِلْغَاصِبِ.

وَجَمِيعُ ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَنَا لِمَالِكِ أَصْلِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

وَلَكِنْ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الزَّرْعَ مِنْ ضَيْعَتِهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَهَادَةً لَهُ بِمِلْكِ الزَّرْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَرَعَ أَرْضَهُ لِغَيْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَتَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَهُ بِالْيَدِ عَلَى الزَّرْعِ نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَقُولُوا زُرِعَ فِيهَا، وَهِيَ عَلَى مِلْكِهِ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً لَهُ بِالْيَدِ، لِجَوَازِ زَرْعِهِ فِيهَا، وَحَصَادِهِ قَبْلَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ وَإِنْ قَالُوا: زُرِعَ وَحُصِدَ فِي مِلْكِهِ، كَانَتْ شَهَادَةً لَهُ بِيَدٍ مُتَقَدِّمَةٍ فَيَكُونُ عِنْدَ الْبُوَيْطِيِّ، وَابْنِ سُرَيْجٍ، عَلَى قَوْلَيْنِ كَالشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ الْقَدِيمِ يُوجِبُ ثُبُوتَ يَدِهِ فِي الْحَالِ، وَإِحْلَافِهِ عَلَى الزَّرْعِ أَنَّهُ مِلْكُهُ.

وَالثَّانِي: لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ يَدِهِ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَى مِلْكِهِ.

وَالَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْيَدِ قَوْلًا وَاحِدًا لِمَا بَيَّنَاهُ، وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْحَالِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ أَقَامَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَدَاءِ خَرَاجِهِ أَوْ بِدَفْعِ عُشْرِهِ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ لِقَبْضِ خَرَاجِهِ وَعُشْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَنُوبُ فِي أَدَائِهِ عَنْ مَالِكِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>