قَالُوا: وَلِأَنَّ الْجُلُودَ وَالْأَكَارِعَ وَالرَّوْسَ بَعْضُ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَمُ فِيهَا لَا يَجُوزُ، فَلِأَنْ لَا يَجُوزَ السَّلَمُ فِي جَمِيعِهِ أَوْلَى، وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ فِي بَعْضِهِ لَمْ يَجُزِ السَّلَمُ فِي كُلِّهِ كَالْجَوَاهِرِ. قَالُوا وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَجْمَعُ أَشْيَاءً مُتَغَايِرَةً لِأَنَّهُ يَجْمَعُ لَحْمًا وَشَحْمًا وَجِلْدًا وَعَظْمًا. وَمَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَتَغَايَرَتْ أَخْلَاطُهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ كَالْمَعْجُونَاتِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يُضْبَطُ بِالصِّفَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ قُوَّتُهُ وَصَبْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّوَائِمِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ كَثْرَةُ الدَّرِّ وَصِحَّةِ النِّتَاجِ، وَإِنْ كَانَ لِلرُّكُوبِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ سُرْعَةُ الْمَشْيِ ووطء الظهر، وإن كان عبدا فالمقصود منها ثقته وخدمته، وإن كانت جارية فالمقصود منه جَمَالُ مَحَاسِنِهَا وَحَلَاوَةُ شَمَائِلِهَا وَعِفَّةُ فَرْجِهَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَوْصَافِ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ بَلْ هِيَ بِغَيْرِ الْمُشَاهَدَةِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ إِلَّا بِالتَّجْرِبَةِ وَالْخِبْرَةِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَهَّزَ جَيْشًا فَعَزَّتِ الِإِبِلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ.
فَلَمَّا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَرْضًا لِظُهُورِ الْفَضْلِ فِيهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَمٌ وَرَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدًا بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْهِجْرَةِ فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعْنِيهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ.
وَلِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ مَهْرًا صَحَّ ثُبُوتُهَا فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا كَالثِّيَابِ طَرْدًا وَالْجَوْهَرِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ صَحَّ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا كَالْحِنْطَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ فِي الذِّمَّةِ عِوَضًا فِيهِ كَالنِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَجَازَ فِيهِ السَّلَمُ كَالْحُبُوبِ.
وَلِأَنَّ الْحَيَوَانَ مَضْبُوطُ الصِّفَةِ شَرْعًا وَعُرْفًا أَمَّا الشَّرْعُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تذبحوا بقرة} إلى قوله تعالى: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ الله لمهتدون قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تثير الأرض} الْآيَةَ، إِلَى قَوْله تَعَالَى: {الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة: ٦٧: ٧١] . قَالَ قَتَادَةُ مَعْنَاهُ الْآنَ ثَبَتَ الْحَقُّ.
فَلَوْلَا أَنَّ الصِّفَةَ مَضْبُوطَةٌ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانٌ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَصِفُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ لِزَوْجِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute