وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّ مَا اسْتَقَرَّ بِهِ كَمَالُ الْمُسَمَّى اسْتُحِقَّ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُفَوَّضَةِ كَالدُّخُولِ، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ أَوْجَبَهُ بِالْوَفَاةِ كَالْمُسَمَّى، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مُوجِبَيِ الدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِالْوَفَاةِ كَالْعِدَّةِ.
وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
إِنْ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ بَرْوَعَ، مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَدُّوا الْعَلَائِقَ ". قِيلَ: وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: " مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ ". فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ دُونَ غَيْرِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ فِرَاقُ مُفَوَّضَةٍ قَبْلَ فَرْضٍ وَإِصَابَةٍ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ مَهْرٌ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ يَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْمَهْرُ، كَالرَّضَاعِ وَالرِّدَّةِ، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يُنْتَصَفْ صَدَاقُهَا بِالطَّلَاقِ لَمْ يُسْتَفَدْ بِالْمَوْتِ جَمِيعُ الصَّدَاقِ كَالْمُبَرِّئَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ صَدَاقِهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُنْتَصَفْ بِالطَّلَاقِ لَمْ يُتَكَمَّلْ بِالْمَوْتِ، كَالزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ بَرْوَعَ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ. فذهب قول إِلَى ضَعْفِهِ، وَأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُا: اضْطِرَابُ طُرُقِهِ، لِأَنَّهُ رُوِيَ تَارَةً عَنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ، وَهُمْ مَجَاهِيلُ، وَتَارَةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَتَارَةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ، وَتَارَةً عَنِ الْجَرَّاحِ بْنِ سِنَانٍ. فَدَلَّ اضْطِرَابُ طُرُقِهِ عَلَى وَهَائِهِ.
وَالثَّانِي: أن علياً بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْكَرَهُ، وَقَالَ: حَدِيثُ أَعْرَابِيٍّ يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْوَاقِدِيَّ، طَعَنَ فِيهِ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ وَرَدَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِاشْتِهَارِهِ، وَقَبُولِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَهُ، وَوُرُودِهِ عَنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ.
أَحَدُهَا: مَنْصُورُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَالثَّانِي: دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ.
وَالثَّالِثُ: عَنْ خِلَاسٍ، وَأَبِي حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ.
وَلَيْسَ اخْتِلَافُ أَسْمَاءِ الرَّاوِي قَدْحًا، لِأَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارِ بْنِ سِنَانٍ مَشْهُورٌ فِي الصَّحَابَةِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ نَهْرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ تَبَرُّكًا باسمه حين اختفره زِيَادٌ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقَايَا الصَّحَابَةِ.
وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فِي بَقَايَا الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ لَمْ يُدْفَعْ حَدِيثُهُ.