للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: مَا لَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ فِيهِ بِالتَّحْلِيَةِ، وَإِنْ جَازَتْ، وَهِيَ عُقُودُ الْبِيَاعَاتِ النَّاجِزَةِ وَالْمَنَاكِحِ، وَالْوِكَالَاتِ.

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي: فِيمَا يَجُوزُ أَنْ يُحَلَّى بِهِ الْمُقِرُّ، فَقَدْ حَدَّهُ قَوْمٌ بِأَنَّهُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الْقَائِفُ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ، وَمَنَعُوا مِنَ التَّحْلِيَةِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ مِنْ آثَارٍ، وَجِرَاحٍ، أَوْ يُمْكِنُ أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ شَيْبٍ وَشَبَابٍ.

وَحَدَّهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَا اشْتُهِرَ بِهِ مِنْ أَوْصَافِهِ، وَمَنَعُوا مِنْ تَحْلِيَتِهِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ التَّحْلِيَةَ تَكُونُ بِكُلِّ مَا دَلَّتْ عَلَى الْمُحَلَّى مِنْ أَوْصَافِهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْبَاطِنَةِ، فَمِنْهَا الطُّولُ، وَالْقِصَرُ، وَمِنْهَا اللَّوْنُ مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ سُمْرَةٍ، وَمِنْهَا الْبَدَنُ مِنْ سِمَنٍ أَوْ هُزَالٍ، وَمِنْهَا الْكَلَامُ كَاللُّثْغَةِ، وَالْفَأْفَأَةِ، وَالتَّمْتَمَةِ وَالرَّدَّةِ وَمَا فِي اللِّسَانِ مِنَ الْعَجَلَةِ وَالثِّقَلِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْعَيْنِ مِنَ الْكُحْلَةِ، وَالشُّهْلَةِ، وَالشُّكْلَةِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الشُّكْلَةَ هِيَ كَمِّيَّةُ الْحُمْرَةِ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ، وَالشُّهْلَةُ كَمِّيَّةُ الْحُمْرَةِ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ فِي عَيْنِهِ شُكْلَةٌ وَمِنْهَا الشَّعْرُ فِي الْجُعُودَةِ وَالسُّبُوطَةِ، وَقِيلَ: لَا يُحَلَّى بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَصَنَّعُ النَّاسُ تَجْعِيدَ السِّبْطِ وَتَسْبِيطَ الْجَعْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُعْرَفُ الْمَصْنُوعُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَمِنْهَا سَوَادُ الشَّعْرِ وَبَيَاضُهُ، وَقِيلَ لَا يُحَلَّى بِهِ لِأَنَّ السَّوَادَ قَدْ يَبْيَضُّ والبياض قد يخصب، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ بَيَاضَ السَّوَادِ يَعْلُو السِّنَّ قَدْ بَدَّلَ عَلَيْهِ تَارِيخَ الشَّهَادَةِ، وَخِضَابُ الْبَيَاضِ يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ التَّحْلِيَةِ بِالصَّمَمِ فَجَوَّزَهُ قَوْمٌ، وَمَنَعَ مِنْهُ آخَرُونَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ مَرَضٍ فَيَزُولُ.

فَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِمَا فِي الْفَمِ مِنَ الْأَسْنَانِ، فَيَجُوزُ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الثَّنَايَا وَالْأَنْيَابِ، وَيُمْنَعُ مِنْهَا بِمَا بَطَنَ مِنَ الْأَضْرَاسِ، وَتَجُوزُ التَّحْلِيَةُ بِالْجِرَاحِ، وَالشِّجَاجِ، وَالْآثَارِ اللَّازِمَةِ، وَلَا تَجُوزُ بِالثِّيَابِ وَاللِّبَاسِ، وَتَجُوزُ تَحْلِيَةُ النِّسَاءِ بِمَا فِي وُجُوهِهِنَّ، وَبِمَا ظَهَرَ مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ وَهُزَالٍ أَوْ سِمَنٍ، وَتَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>