للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ، وَبَنِي الْبَنِينِ وَبَنِي الْبَنَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ دَاوُدُ: يُقْطَعُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ وَالِابْنُ فِي مَالِ أبيه تمسكاً بعموم الظاهر، وَقَالَ قَوْمٌ يُقْطَعُ الِابْنُ فِي مَالِ أَبِيهِ كَمَا يُقْتَلُ بِهِ وَيُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَلَا يُقْطَعُ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تعالى: {ولا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] فَكَانَ بالقطع أَغْلَظَ وَبِالنَّهْي أَحَقَّ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَوْلَادُكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ فَكُلُوا مِنْ طيبات كَسْبِكُمْ) .

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ الِابْنُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبِي يَأْخُذُ مَالِي فَيُتْلِفُهُ بِغَيْرِ إذني، فقال الرجل سله يا رسول الله هَلْ أُنْفِقُهُ إِلَّا عَلَى إِحْدَى عَمَّاتِهِ أَوْ خالاته، ثم هبط جبريل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: سَلْهُ عَنْ شِعْرِهِ الَّذِي لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، والله ما سمعته أذناي، وإن الله ليزيد نابك بياناً ثم أنشده شعره في ابنه فقال:

(عذوتك مولوداً وعلنتك يافعا ... تعل بما أدني عليك وتنهل)

(إذا ليلة نابتك بالشَكْوِ لَمْ أَبِتْ ... لِشَكْوَاكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ)

(كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي ... طُرِقْتَ بِهِ دوني وعيني تهمل)

(تخاف الردى نفسي عليك وإنها ... لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ مُؤَجَّلُ)

(فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي ... إِلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فيك أؤمل)

(جعلت جزائي منك جبها وغلظة ... كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ)

(فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي ... فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ)

قَالَ: فَعَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَلَابِيبِ الْغُلَامِ وَقَالَ: " أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) وَهَذَا يَمْنَعُ مِنَ الْقَطْعِ، وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ شُبْهَةً فِي مَالِ الْآخَرِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِيهِ وَلِوِلَايَةِ الْأَبِ عَلَى مَالِ وَلَدِهِ فسقط القطع بينهما، ولأن بوجود البعضية بينهما يجري

<<  <  ج: ص:  >  >>