الذِّمَّةِ، وَأَمْكَنَ قَبْضُهُ فِي نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَهُوَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَمَا زَادَ صَحَّتِ الْكِتَابَةُ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ عَبْدٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ فِي نَجْمَيْنِ، حَتَّى يَكُونَ عَلَى ثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ، أَوْ عَلَى ثَوْبٍ وَعَبْدٍ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْكِتَابَةِ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَإِذَا انْعَقَدَتِ الْكِتَابَةُ عَلَى هَذَا، وَأَتَاهُ بِالْعَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ، فَعَتَقَ بِآخِرِ دَفْعِهِ، ثُمَّ وَجَدَ السَّيِّدُ بِهِ عَيْبًا لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَ بِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَرْضِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ الَّتِي قَبَضَهُ عَلَيْهَا، فَيَكُونَ لِلسَّيِّدِ الْخِيَارُ فِي إِمْسَاكِهِ، أَوْ رَدِّهِ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ رَاضِيًا بِعَيْبِهِ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَاسْتَقَرَّ مِلْكُ الْمُكَاتَبِ بِهِ، كَالْمُشْتَرِي إِذَا رَضِيَ بِعَيْبِ مَا اشْتَرَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا امْتَنَعَ وُقُوعُ الْعِتْقِ بِوُجُودِ الْعَيْبِ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنَ الْكِتَابَةِ عَشَرَةٍ، فَأَعْطَاهُ تِسْعَةً لَمْ يَعْتِقْ.
قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ يَسْتَحِقُّهُ نُطْقًا اقْتَضَاهُ الشَّرْطُ، فَامْتَنَعَ بِهِ وُقُوعُ الْعِتْقِ، وَنُقْصَانُ الصِّفَةِ يَسْتَحِقُّهُ حُكْمًا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، فَجَازَ أَنْ يَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ نُطْقُ الشَّرْطِ وَبَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهَالَةَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ، لِاسْتِحْقَاقِهِ نُطْقًا، وَالْجَهَالَةَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ، لِاسْتِحْقَاقِهِ حُكْمًا وَشَرْعًا.
وَإِنْ رَدَّ السَّيِّدُ الْعَرْضَ بِعَيْبِهِ كَانَ لَهُ ذَاكَ، كَالْمُشْتَرِي فِي رَدِّ مَا وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، وَيَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بِالرَّدِّ لَا بِظُهُورِ الْعَيْبِ، لِأَنَّ رَدَّهُ بِعَيْبِهِ نَقْصٌ يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ أَجْزَائِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ، فَأَدَّاهَا إِلَّا قِيرَاطًا لَمْ يَعْتِقْ بِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَصِحُّ ارْتِفَاعُ الْعِتْقِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وَهُوَ كَالطَّلَاقِ إِذَا وَقَعَ لَمْ يَرْتَفِعْ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى ثَوْبٍ طَلَّقَهَا بِهِ، ثُمَّ وَجَدَ بِالثَّوْبِ عَيْبًا رَدَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَرْتَفِعِ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، فَهَلَّا كَانَتِ الْكِتَابَةُ كَذَلِكَ.
قِيلَ: إِنَّمَا لَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ إِذَا كَانَ مُسْتَقِرًّا وَهَذَا الْعِتْقُ وَقَعَ مُتَوَهَّمًا، ثُمَّ بَانَ بِالرَّدِّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَإِنْ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ضَيِّقًا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْخُلْعِ حُكْمُ الطَّلَاقِ، فَجَازَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ بِعَيْبِ العوض، والمغلب في الكتابة حكم العرض، فَجَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ الْعِتْقُ بِعَيْبِ الْعِوَضِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ قِيلَ لِلْمُكَاتَبِ بَعْدَ رَدِّ الْعِوَضِ عَلَيْهِ: قَدِ ارْتَفَعَ عِتْقُكَ، وَأَنْتَ عَلَى كِتَابَتِكَ، فَإِنْ جِئْتَ سَيِّدَكَ بِبَدَلِ هَذَا الْعِوَضِ سَلِيمًا مِنْ عَيْبٍ اسْتَقَرَّ عِتْقُكَ، وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِبَدَلِهِ فَلَهُ تَعْجِيزُكَ وَاسْتِرْقَاقُكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute