وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ) فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ عَدَدَ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا فَدَلَّ اللَّفْظُ وَالْعَدَدُ عَلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ. وَقَالَ: وَلِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَكَانَ شَهَادَةً اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ رَفْعُ حُكْمِ الْقَذْفِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَهَادَةً كَالْبَيِّنَةِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ مَحْدُودًا. بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَرْبَعٌ مِنَ النِّسَاءِ لَا لِعَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ، النَّصْرَانِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ تَحْتَ مُسْلِمَيْنِ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ مَمْلُوكٍ وَالْمَمْلُوكَةُ تَحْتَ حُرٍّ " قَالُوا: هَذَا نَصٌّ قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكْمُلِ الحد يقذفها لَمْ يَصِحَّ اللِّعَانُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا كَالصَّغِيرَةِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ كَالْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ فَلَمَّا لَمْ يَجِبِ الْحَدُّ إِلَّا بِقَذْفِ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ لَمْ يَصْحَّ اللِّعَانُ إِلَّا مِنْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ يَمِينٌ وَلَيْسَ شَهَادَةً. مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي زَوْجَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ جَاءَتْ بِوَلَدِهَا عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ: " لَوْلَا مَا مَضَى مِنَ الْأَيْمَانِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ " فَسمي اللِّعَان يَمِينًا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَحْلِفَ لَهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يُلَاعِنُ عَنْ حَقٍّ لِنَفْسِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا لَزِمَ تَكْرَارُهُ أَرْبَعًا، لَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُكَرَّرُ وَالْأَيْمَانَ قَدْ تُكَرَّرُ، وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَتَضَمَّنُهَا لَعْنٌ وَلَا غَضَبٌ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِي الشَّهَادَةِ وَتُسَاوِيهِ فِي الْأَيْمَانِ، وَهِيَ فِي اللِّعَانِ مُسَاوِيَةٌ لِلرَّجُلِ فَثَبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ، وَلِأَنَّ لَفْظَ اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ قَوْلَ الْإِنْسَانِ فِي غَيْرِ اللِّعَانِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ، أَنَّهُ يَمِينٌ فَكَذَلِكَ فِي اللِّعَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَمَا صَحَّ لِعَانُ الْفَاسِقَيْنِ، وَلَا مِنَ الْأَعْمَيَيْنِ التَّحَصُّنُ وَقَدْ وَافَقَ عَلَى صحة لعان هذين فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ، عُمُومُ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: ٦] وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّ كُلَّ زَوْجٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ لِعَانُهُ كَالْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا خَرَجَ بِهِ الزَّوْجُ مِنْ قَذْفِهِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ خَرَجَ بِهِ مِنَ الْقَذْفِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ كَالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَالْمَمْلُوكَيْنِ كَالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ فِي أَنَّهُ شَهَادَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ) ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى نَفْسِهِ خَرَجَتْ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَاتِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ فَمِنْ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute