للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: الطَّلَاقُ فِي طُهْرٍ قَدْ جُومِعَتْ فِيهِ.

أَمَّا طَلَاقُ الْحَيْضِ فَلِتَحْرِيمِهِ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا غَيْرُ مُحْتَسَبٍ بِهِ مِنْ عِدَّتِهَا عِنْدَ مَنْ جَعَلَ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارَ، وَعِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا الْحَيْضَ، فَصَارَتْ بِالطَّلَاقِ فِيهِ غَيْرَ زَوْجَةٍ وَلَا مُعْتَدَّةٍ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فِي الطُّهْرِ المجامع فيه فلتحريمه علتان.

أحدهما: أِنَّهَا رُبَّمَا عَلَقَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَصَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ فَلَحِقَهُ نَدَمٌ مِنْ طَلَاقِ أُمِّ وَلَدِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: أِنَّهَا تَصِيرُ مُرْتَابَةً فِي عِدَّتِهَا هَلْ عَلَقَتْ مِنْ وَطْئِهِ فَتَكُونَ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ؟ أَوْ لَمْ تَعْلَقْ فَتَكُونَ بِالْأَقْرَاءِ؟ لَكِنَّهَا تَعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ طُهْرِهَا قُرْءًا فَإِذَا طَلَّقَ إِحْدَى هَاتَيْنِ إِمَّا فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَدْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بِدْعِيًّا مُحَرَّمًا. وَاسْتَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا؛ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْنَ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يُرَاجِعَ، وَاسْتِدْرَاكًا لِمُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ بِالْإِقْلَاعِ عَنْهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْعَةُ.

وَأَوْجَبَهَا مَالِكٌ فِي طَلَاقِ الْحَائِضِ اسْتِدْلَالًا بِهَذَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنِ اسْتُحِبَّتْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالتَّرْكِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} [البقرة: ٢٢٨] فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أِنَّهُ جَعَلَهَا حَقًّا لِلْأَزْوَاجِ لَا عَلَيْهِمْ.

وَالثَّانِي: أِنَّهُ قَرَنَهَا بِإِرَادَةِ الْإِصْلَاحِ.

وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إِمَّا أَنْ تُرَادَ لِاسْتِدَامَةِ الْعَقْدِ أَوْ إِعَادَتِهِ. فَإِنْ أُرِيدَتْ لِإِعَادَتِهِ لَمْ تَجِبْ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ، فَإِنْ أُرِيدَتْ لِاسْتِدَامَتِهِ لَمْ تَجِبْ؛ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَهُ بِالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ كَتَحْرِيمِهِ فِي طُهْرٍ مُجَامَعٍ فِيهِ، ثُمَّ لَمْ تَجِبِ الرَّجْعَةُ فِي طُهْرِ الْجِمَاعِ كَذَلِكَ فِي الْحَيْضِ.

فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ.

فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: أِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِنَفْسِهِ وَجَعَلَ عُمَرَ هُوَ الْآمِرَ لَهُ بِقَوْلِهِ: مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنِ الْوُجُوبِ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ، لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَمَّنْ تَجِبُ أَوَامِرُهُ إِلَى مَنْ لَا تَجِبُ أَوَامِرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>