فَبَطَلَ بِهِمَا حُكْمُ يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى يَدٍ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَالِكَةٌ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ يَدُ مِلْكٍ.
فَعَلَى هَذَا يَجْرِيَ عَلَى الْبَيِّنَتَيْنِ حُكْمُ الْمُتَعَارِضَتَيْنِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ لَا يَتَعَارَضَا فِي الْبَاطِنِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُ الْعَقْدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَيَكُونُ فِي تَعَارُضِهِمَا ثَلَاثَةُ أقاويل:
أحدهما: إِسْقَاطُهَا فَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْبَائِعِ لَا تَرْجِيحًا لِلْبَيِّنَةِ لِأَنَّهمَا قَدْ أُسْقِطَتَا، وَلَكِنْ لِأَنَّها دَعْوَى عَلَيْهِ فِي ابْتِيَاعٍ مِنْهُ. فَإِنْ كَذَّبَهُمَا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَغَرِمَ لَهُ مَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ، وَالدَّارُ بَاقِيَةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، وَإِنْ صَدَقَ أَحَدُهُمَا، وَكَذَبَ الْآخَرُ، كَانَتِ الدَّارُ مَبِيعَةٌ عَلَى الْمُصَدِّقِ، دُونَ الْمُكَذِّبِ فَإِنْ طَلَبَ الْمُكَذِّبُ إِحْلَافَ الْبَائِعِ، نُظِرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى عَلَى الْمُصَدِّقِ كَانَ لَهُ إِحْلَافُ الْبَائِعِ، لِأَنَّه قَدِ اسْتَحَقَّ الْيَمِينَ بِإِنْكَارِهِ قَبْلَ دَعْوَى الْمُصَدِّقِ، فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنْهَا بِتَصْدِيقِهِ لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ بَعْدَ تَصْدِيقِ الْآخَرِ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى تَخْرِيجٍ يَذْكُرُهُ، لِأَنَّها دَعْوَى فِي حَلَالٍ لَا يَنْفُذُ فِيهَا إِقْرَارُهُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ، فَلَوْ عَادَ الْبَائِعُ، فَصَدَّقَ الثَّانِي بَعْدَ تَصْدِيقِ الْأَوَّلِ، كَانَ الْبَيْعُ لِلْأَوَّلِ، لِتَقَدُّمِ إِقْرَارِهِ، وَنُظِرَ فِي قِيمَةِ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الثَّانِي، لَمْ يُغَرَّمْ لِلثَّانِي إِلَّا الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ فَفِي وُجُوبِ غُرْمِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ بَعْدَ رَدِّ الثَّمَنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَغْرَمُهَا.
وَالثَّانِي: يَغْرَمُهَا.
وَمِنْ هَاهُنَا يَجِيءُ تَخْرِيجُ قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُكَذِّبِ لِأَنَّه إِذَا غَرِمَ مَعَ الْإِقْرَارِ حَلَفَ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ صَدَّقَ الْبَائِعُ لَهُمَا جَمِيعًا، جُعِلَتِ الدَّارُ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ نِصْفُهَا مَبِيعًا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ، إِنِ اتَّفَقُوا عَلَى قَدْرِهِ. وَإِنْ عَدَلُوا إِلَى غَيْرِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ يَأْخُذُ نِصْفَ الدَّارِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْبَائِعُ. إِنْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِيَانِ عَلَى قَدْرِهِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ، حَلَّفَاهُ عَلَيْهِ، وَأُبْطِلَ الْبَيْعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ إِلَّا فِي دَفْعِهِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ، لِأَنَّه قَدْ أَسْقَطَ قَبُولَهُمَا فِي الْبَيْعِ، فَسَقَطَ حُكْمُ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَإِنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي دَفْعِهِ، لِأَنَّ تَعَارُضَهُمَا فِي البيع لا في دفع الثمن فهو احكم الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فِي إِسْقَاطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَأَيَّتُهُمَا قَرَعَتْ حُكِمَ بِهَا وَكَانَ الْبَيْعُ لِمَنْ شَهِدَتْ لَهُ، وَفِي إِحْلَافِهِ مَعَ الْقُرْعَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ إِنْ قِيلَ: إِنَّ الْقُرْعَةَ مُرَجِّحَةٌ لِدَعْوَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute