وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَيُوسُفُ: الزَّوْجُ الثَّانِي قَدْ هَدَمَ طَلَاقَ الأول ورفعه، فإذا عادت إلى الأولى كَانَتْ مَعَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٩٩] . فَاقْتَضَى ظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازَ الرَّجْعَةِ إِذَا طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي، وَاحِدَةً بَعْدَ اثْنَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنْهَا وَتُحَرِّمُونَهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، قَالُوا: وَلِأَنَّهَا إِصَابَةُ زَوْجٍ ثَانٍ فَوَجَبَ أَنْ تَهْدِمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ طَلَاقِ الْأَوَّلِ، أَصْلُهُ إِذَا كَانَ طَلَاقُ الْأَوَّلِ ثَلَاثًا، قَالَ: وَلِأَنَّ إِصَابَةَ الثَّانِي لَمَّا قَوِيَتْ عَلَى هَدْمِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، كَانَتْ عَلَى هَدْمِ مَا دُونَهَا أَقْوَى، كَمَنْ قَوِيَ عَلَى حَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ كَانَ عَلَى حَمْلِ رِطْلٍ أَقْوَى، وَكَالْمَاءِ إِذَا رَفَعَ كَثِيرَ النَّجَاسَةِ كَانَ بِرَفْعِ قَلِيلِهَا أَوْلَى، وَكَالْغُسْلِ إِذَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ، كَانَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ أَوْلَى، وَكَالْجَنَابَةِ إِذَا نَقَضَتْ طُهْرَ الْبَدَنِ، كَانَتْ بِنَقْضِ طَهَارَةِ بَعْضِهِ أَوْلَى.
وَدَلِيلُنَا قول الله تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . فَكَانَ طَلَاقُ مَنْ بَقِيَتْ لَهُ مِنَ الثلاث طلقة يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، سَوَاءٌ نَكَحَتْ قَبْلَ طَلَاقِهِ زَوْجًا أَمْ لَا، فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ كَانَ آخِرُ الْآيَةِ دَلِيلًا لَكُمْ، كَانَ أَوَّلُهَا عَلَى مَا مَضَى دَلِيلًا لَنَا، قِيلَ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ مَا يُوجِبُ الْحَظْرَ وَالْإِبَاحَةَ، كَانَ تَغْلِيبُ مَا يُوجِبُ الْحَظْرَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوْلَى.
وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهَا إِصَابَةٌ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَمْ تَهْدِمْ مَا تَقَدَّمَ الطَّلَاقَ كَإِصَابَةِ السَّيِّدِ وَالْإِصَابَةِ بِشُبْهَةٍ وَلِأَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ عَدَدِ الطَّلَاقِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الطَّلَاقِ، وَأَصْلُهُ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، وَلِأَنَّ الِاسْتِبَاحَةَ الْوَاقِعَةَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ الْمُسْتَبِيحَةِ عَنْ نِكَاحِ زَوْجٍ، لَا تَرُدُّهَا إِلَى أَوَّلِ الْعِدَّةِ كَالرَّجْعَةِ، لِأَنَّهَا طَلْقَةٌ اسْتَكْمَلَ بِهَا عَدَدَ الثَّلَاثِ، فَوَجَبَ تَحْرِيمُهَا إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ.
أَصْلُهُ: إِذَا اسْتَكْمَلَ الثَّلَاثَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلِأَنَّ إِصَابَةَ الزَّوْجِ الثَّانِي فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا يَهْدِمُهُ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ تَحْرِيمَهُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ فلم يرتفع بعد وقوعه.
الثاني: أَنَّهُ لَوِ ارْتَفَعَ لَاسْتَبَاحَهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَإِذَا أَثَّرَتْ فِي رَفْعِ التَّحْرِيمِ فِي الثَّلَاثِ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ تَحْرِيمٌ لَمْ يَكُنْ لِلْإِصَابَةِ فِيهَا تَأْثِيرٌ.
وَلِأَنَّنَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ الثَّانِيَ يُبْنَى عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، قَبْلَ زَوْجٍ وَبَعْدَهُ فَكَذَلِكَ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَقَدْ مَضَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute