وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ هَلْ تَكُونُ الِاسْتِدَامَةُ فِيهِ كَالِابْتِدَاءِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: الدُّخُولُ، وَالطِّيبُ وَالسَّفَرُ، هَلْ يَكُونُ الِاسْتِدَامَةُ كَالِابْتِدَاءِ فَإِذَا حَلَفَ لَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ حَنِثَ بِأَنْ يَسْتَأْنِفَ دُخُولَهَا، إِذَا كَانَ خَارِجًا، وَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَةِ دُخُولِهَا، إِذَا كَانَ فِيهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ إنَّهُ يَحْنَثُ، بِاسْتِدَامَةِ جُلُوسِهِ فيها لما كَمَا يَحْنَثُ بِاسْتِئْنَافِ دُخُولِهَا، كَالسُّكْنَى، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لو حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا فَأُكْرِهَ عَلَى دُخُولِهَا، فَإِنْ عَجَّلَ الْخُرُوجَ مِنْهَا بَعْدَ الْمُكْنَةِ، لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ أَقَامَ حَنِثَ، فَجَعَلَ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ كَالدُّخُولِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ حَرْمَلَةَ، وَقَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، لَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ الدُّخُولِ، حَتَّى يَسْتَأْنِفَهُ، لِأَنَّ الدُّخُولَ يَكُونُ بَعْدَ خُرُوجٍ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا تَطَيَّبْتُ حَنِثَ بِأَنْ يَسْتَأْنِفَ الطِّيبَ، وَفِي حَنِثِهِ بِاسْتِدَامَةِ طِيبٍ مُتَقَدِّمٍ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ، لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى التَّطَيُّبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْدِثْ فِعْلًا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنَّهُ إِنْ كَانَ أَثَرُ طِيبِهِ بَاقِيًا، حَنِثَ، وَإِنْ بَقِيَتِ الرَّائِحَةُ دُونَ الْأَثَرِ لم يحنث، وهي طريقة أبي الغياض اعْتِبَارًا بِبَقَاءِ الْعَيْنِ، وَزَوَالِهَا وَلَوْ حَلَفَ لَا يسافر، لم حَنِثَ بِأَنْ يَسْتَأْنِفَ السَّفَرَ طَوِيلًا. كَانَ أَوْ قَصِيرًا فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ، وَهُوَ مُسَافِرٌ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَوْدِ مِنْ سَفَرِهِ، فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي تَرْكِ السَّفَرِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى وَجْهِهِ فِي السَّفَرِ، فَيَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ مَسِيرِهِ، لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي السَّفَرِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُقِيمَ بِمَكَانِهِ مِنْ سَفَرِهِ، فَفِي حِنْثِهِ بِاسْتِدَامَتِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهَا: يَحْنَثُ كَالتَّوَجُّهِ، لِبَقَائِهِ عَلَى السَّفَرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ لِكَفِّهِ عَنِ السَّيْرِ، فَصَارَ كَالْعَوْدِ.
وَكُلُّ مَا لَمْ نُسَمِّهِ فَهُوَ معتبرٌ بِمَا سَمَّيْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، فيكون ملحقاً بأشبههما به والله أعلم.