فإذا قُلْنَا: إِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ إِذَا وَطِئَ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّاهِنِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ جَاهِلَةً بِالتَّحْرِيمِ، أَوْ مُكْرَهَةً مَعَ عِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ فَفِي وُجُوبِهِ عَلَيْهَا إِذَا وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا مَهْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقَّانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَدُّ.
وَالثَّانِي: لِلْآدَمِيِّ وَهُوَ الْمَهْرُ.
كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقَّانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْكَفَّارَةُ.
وَالثَّانِي: لِلْآدَمِيِّ وَهُوَ الدِّيَةُ.
ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِهَا سَقَطَ عَنْهُ حَقُّهُ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْكَفَّارَةِ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي وَطْئِهَا سَقَطَ عَنْهُ حَقُّهُ مِنْ مَهْرِهَا دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْحَدِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عليه المهر؛ لأن هذا الوطأ موجب للمهر. كما أن الوطأ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مُوجِبٌ لِلْمَهْرِ، ثُمَّ ثَبَتَ أنه لو وطأ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِإِذْنِ الْمَوْطُوءَةِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْمَهْرُ. كَذَلِكَ إِذَا وَطِئَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْمَهْرُ.
وَأَمَّا قِيمَةُ الْوَلَدِ إِذَا لَحِقَ بِهِ وَصَارَ حُرًّا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي وُجُوبِ قِيمَتِهِ قَوْلَانِ كَالْمَهْرِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَةُ الْوَلَدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الولد والمهر من وجهين:
أحدهما: أن الوطأ مَأْذُونٌ فِيهِ فَسَقَطَ غُرْمُ بَدَلِهِ وَالْإِيلَاءُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَسْقُطْ غُرْمُ بَدَلِهِ.
وَالثَّانِي: أن الوطأ استهلاك غير موجود فجاز أن يسقط غرمه عنه. وَالْوَلَدُ اكْتِسَابُ مَوْجُودٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ.
فَأَمَّا غُرْمُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا بِالْوِلَادَةِ فَإِنْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ لَا يَخْتَلِفُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ الْوَلَدُ فَفِي وُجُوبِ غُرْمِهِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ.
أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ غُرْمُهُ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبٍ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ.