وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ وَجَبَ بِهِ الْحَدُّ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ فَوَجَبَ أَلَّا يَجِبَ بِهِ الْمَهْرُ كَالْحُرَّةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِذْنِهَا فِي قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا:
أَنَّ الْقَطْعَ إِتْلَافٌ فَلَمْ يَسْقُطْ غُرْمُهُ بِإِذْنِ مَنْ لَا يَمْلِكُهُ، وَهَذَا الْوَطْءُ زِنًا وَالزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمَهْرِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْمَهْرَ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ.
فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُرْتَهِنِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِ الزِّنَا، أَوْ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الزِّنَا جَاهِلًا بِأَنَّ وَطْءَ الْمَرْهُونَةِ زِنًا لِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ أَوْ كَانَ بِبَعْضِ جَزَائِرِ الْبَحْرِ النَّائِيَةِ عَنْ أَقَالِيمِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الشِّرْكِ لِسَبَبٍ اعْتَرَضَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِزَانٍ وَيَتَعَلَّقُ بِوَطْئِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ لِأَنَّ جَهْلَهُ بِتَحْرِيمِهِ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كُنَّا بِالشَّامِ فَتَذَاكَرْنَا حَدِيثَ الزِّنَا فَقَالَ رَجُلٌ: زَنَيْتُ فَأَنْكَرْنَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: أَحْرَامٌ الزِّنَا؟ فَكَتَبْنَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَانْهَوْهُ فَإِنْ عَادَ فَارْجُمُوهُ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَعْتَقَ أَمَةً وَزَوَّجَهَا مِنْ رَاعٍ فَزَنَتْ فَحَمَلَهَا إِلَى عُمَرَ فَقَالَ لَهَا: زَنَيْتِ يَا لَكْعَا، فَقَالَتْ: نَعَمْ مرعونين بِدِرْهَمَيْنِ، فَقَالَ: لِعَلِيٍّ مَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ: قَدِ اعْتَرَفَتْ عَلَيْهَا الْحَدُّ. فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ: كَمَا قَالَ أَخِي عَلِيٌّ. فَقَالَ لِعُثْمَانَ: مَا تَقُولُ فِيهَا؟ فَقَالَ: أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ كَأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ وَإِنَّمَا الْحَدُّ عَلَى مَنْ عَلِمَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ. وَقَوْلُهُ: أَرَاهَا تَسْتَهِلُّ كَأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ يَعْنِي تَعْتَرِفُ بِهِ اعْتِرَافَ مَنْ لَا يَعْلَمُ.
فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الزِّنَا جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ حُدَّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْهُ.
فَأَمَّا الْمَوْطُوءَةُ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ جَاهِلَةً بِتَحْرِيمِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ عَالِمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا إِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً.
وَالْحُكْمُ الثَّانِي: لُحُوقُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ عَنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَيَكُونُ حُرًّا، وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْوَاطِئِ قِيمَتُهُ يَوْمَ سَقَطَ حَيًّا لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَلْحَقْ بِالْمُرْتَهِنِ لَكَانَ مِلْكًا لِلرَّاهِنِ، وَمَنْ حَصَلَتْ مِنْهُ الْحُرِّيَّةُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ كَالشَّرِيكَيْنِ إِذَا أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا وَكَانَ مُوسِرًا.
وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ: الْمَهْرُ: وَهُوَ عَلَى مَا مَضَى مِنَ اعْتِبَارِ حَالِ الْمَوْطُوءَةِ: فَإِنْ كَانَتْ