أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعِيرًا، أَوْ دَابَّةً، وَشَهِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَانِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنَ الْيَدِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْيَدِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا، فَوَجَبَ إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ، أَنْ يَكُونَ أَوْلَى، بِأَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَخْرِيجِهَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ قَوْلٍ رَابِعٍ وَهُوَ وَقَفَهُمَا عَلَى الْبَيَانِ فَخَرَّجَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ قَوْلًا رَابِعًا لِلشَّافِعِيِّ وَامْتَنَعَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْ تَخْرِيجِهِ قَوْلًا رَابِعًا، لِأَنَّ وَقْفَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْبَيَانِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالْبَيَانِ دُونَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُوقَفُ الْمَالُ عَلَى الْبَيَانِ دُونَ الْبَيِّنَةِ، وَهَذَا أَشْبَهُ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْأَقَاوِيلُ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمْ يُخَرَّجْ فِي تَعَارُضِهِمَا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ إِلَّا قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِسْقَاطُهُمَا وَيَتَحَالَفُ الْمُتَدَاعِيَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا.
وَفِي إِحْلَافِ مَنْ قَرَعَتْ بَيِّنَتُهُ قَوْلَانِ، مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقُرْعَةِ هَلْ دَخَلَتْ تَرْجِيحًا للدعوى، أو للبينة فأخذ قَوْلَيْهِ، إِنَّهَا دَخَلَتْ تَرْجِيحًا لِلْبَيِّنَةِ.
فَعَلَى هَذَا لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ قَرَعَتْ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يَمِينَ مَعَ الْبَيِّنَةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا دَخَلَتْ تَرْجِيحًا لِلدَّعْوَى، فَيَجِبُ إِحْلَافُ الْمُدَّعِي.
فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِيمَا ثَبَتَ بِهِ الْحُكْمُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالْيَمِينِ مَعَ الْبَيِّنَةِ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ بِاللَّهِ أَنَّهُ مَا شَهِدَتْهُ بَيِّنَتُهُ حَقٌّ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِيَمِينِهِ تَرْجِيحًا بِالْبَيِّنَةِ، وَتَكُونُ يَمِينُهُ بِاللَّهِ، لَقَدِ اكْتَرَيْتُ مِنْهُ الدَّارَ بِكَذَا.
وَلَا يَجِيءُ فِيهِ تَخْرِيجُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ، أَنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ. وَلَا يَجِيءُ فِيهِ تَخْرِيجُ الْقَوْلِ الرَّابِعِ إِنْ صَحَّ تَخْرِيجُهُ، أَنَّهُ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْبَيَانِ لتعذره في الدعوى والبينة، فوجب أن يفضل الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا بِالتَّحَالُفِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَتَانِ مُطْلَقَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا تَارِيخٌ يَدُلُّ عَلَى اجْتِمَاعِهِمَا أَوْ تَقَدُّمِ إِحْدَاهُمَا فَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، أَنَّهُ يُحْكَمُ بِأَزْيَدِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ حُكِمَ بِأَكْثَرِهِمَا قَدْرًا.
وَإِنْ كَانَ فِي الْكِرَاءِ حُكِمَ بأكثرهما قدرا.