فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا حَكَاهُ مِنْ هَذَا، فَامْتَنَعَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ طَائِفَةٍ تَقَدَّمَتْهُ مِنْ تَخْرِيجِهِ، لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَنْصُوصَ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ، وَأَثْبَتَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مَعَ طَائِفَةٍ تَقَدَّمَتْهُ، وَخَرَّجُوا عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ الرَّبِيعُ بِنَقْلِهِ إنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: جَرَيَانُ أَحْكَامِ الرِّقِّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُكَاتَبُ عبدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ درهمٌ ".
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا نَفَذَ فِيهِ عِتْقُ الْخُصُوصِ إِذَا عَيَّنَهُ نَفَذَ فِيهِ عِتْقُ الْعُمُومِ إِذَا أَطْلَقَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي اتَّفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى نَقْلِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِ: أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ إِذَا لَمْ يَنْوِهِ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالْبَيْعِ، لِأَنَّهَا إِزَالَةُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ، فَانْتَقَلَ بِهَا الْمِلْكُ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ جَازَ عَوْدُهُ إِلَى مِلْكِهِ بالعجز في الباطن، فصار كالمبيع علي مفلس قد انتقل الملك، وَإِنْ جَازَ اسْتِرْجَاعُهُ بِالْفَلَسِ، وَمَا زَالَ بِهِ الْمِلْكُ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ الْمِلْكِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا زَالَ عَنِ السَّيِّدِ مِلْكُ مَنَافِعِهِ وَكَسْبُهُ، وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ زَالَ عَنْهُ مِلْكُ رَقَبَتِهِ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي عموم ملكه.
فَإِنْ قِيلَ: الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَيْنِ مَعْلُولٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عُتِقَ، وَلَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ إِلَّا فِي مِلْكٍ.
قِيلَ: إِنَّمَا عُتِقَ، لِأَنَّ عِتْقَهُ إِبْرَاءٌ، وَهُوَ يُعْتَقُ بِالْإِبْرَاءِ، كَمَا يُعْتَقُ بِالْأَدَاءِ، فَهَذَا تَمَامٌ لِذَلِكَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ بِابْتِدَاءِ عِتْقٍ فِي الرِّقِّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا جَعَلْتُمْ عِتْقَهُ إِبْرَاءً يُعْتَقُ بِهِ فِي الْخُصُوصِ: لَزِمَكُمْ أَنْ تجعلوه إبراء بعتق بِهِ فِي الْعُمُومِ.
قُلْنَا: لَا يَلْزَمُ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ عِتْقُهُ فِي الْخُصُوصِ حَيْثُ جَعَلْنَاهُ إِبْرَاءَ عِتْقِهِ فِي الْعُمُومِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْفُذْ صَرِيحُ عِتْقِهِ فِي الْخُصُوصِ فِي غَيْرِهِ، يَعْنِي بِهِ فِي غَيْرِ الْمَكَاتَبِ، صَارَ صَرِيحًا فِي إِبْرَائِهِ، فَعُتِقَ بِهِ.
وَلَمَّا نَفَذَ صَرِيحُ الْعِتْقِ فِي الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ، صَارَ كِتَابَةً فِي إِبْرَائِهِ، فَلَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أن