وَالْحَالُ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا: تَحْرِيمُ الظِّهَارِ، وَالَّتِي كَانَ عَلَيْهَا: إِبَاحَةُ النِّكَاحِ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِمْسَاكِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ إِعَادَةِ التَّحْرِيمِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ أَوْسَ بْنَ الصَّامِتِ وَسَلَمَةَ بْنَ صَخْرٍ بالكفارة عن طهارهما وَلَمْ يَسَلْهُمَا عَنْ إِعَادَتِهِ وَلَوْ كَانَ عَوْدُ القول شرط لَسَأَلَ، وَلِأَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُعَلَّقَةٌ بِلَفْظٍ وَشَرْطٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ يُخَالِفُ اللَّفْظَ دُونَ إِعَادَتِهِ كَالْإِيلَاءِ وَسَائِرِ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَالْأَيْمَانِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعَوْدَ فِي الشَّيْءِ هُوَ فِعْلُ مِثْلِهِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْعَوْدِ الِانْتِقَالُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ الْمُقَامِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَوْدَ إِلَى مِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِبَاحَةِ دُونَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّحْرِيمِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ وَصَفَ الْعَوْدَ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: -
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَوْدٌ إِلَى الْقَوْلِ بِنَقْضِهِ وَإِبْطَالِهِ لَا بِتَصْحِيحِهِ وَإِثْبَاتِهِ فَكَانَ مَا ذَكَرْنَا أَشْبَهَ.
وَالثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ الْأَخْفَشُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا لِأَنَّ قَوْلَهُ (ثُمَّ يعودون) . كلام تام وقوله (لما قالوا) عَائِدٌ إِلَى تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ (ثُمَّ يَعُودُونَ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لِمَا قَالُوا) .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ إِلَى غَيْرِ الْقَوْلِ لَقَالَ (ثُمَّ يَعُودُونَ فِيمَا قَالُوا) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْعَوْدَ إِلَى الْقَوْلِ لَقَالَ (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قالوا) وَسَطٌ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ، فَاقْتَضَى أَنْ يُحْمَلَ الْعَوْدُ عَلَى تَعَيُّنِ الْحَالِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
(تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالًا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute