وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَصُومُهَا إِذَا رَجَعَ مِنْ حَجِّهِ بَعْدَ كَمَالِ مَنَاسِكِهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي " الْإِمْلَاءِ " أَنْ يَصُومَهَا إِذَا أَخَذَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ رَاجِعًا إِلَى بَلَدِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ بِمَكَّةَ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَذَهَبَ الْبَغْدَادِيُّونَ إِلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنْ يَصُومَهَا إِذَا رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مَنَاسِكِهِ، وَرَمْيِهِ سَوَاءٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصحاب ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ، وأبو حنيفة اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) {البقرة: ١٩٦) أَيْ: رَجَعْتُمْ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ رُجُوعًا عَنِ الْحَجِّ أَيْ: عَنْ أَفْعَالِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ هَذَا الصَّوْمِ لَوَجَبَ إِذَا نَوَى الْمُقَامَ بِمَكَّةَ، أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الصِّيَامُ بِهَا، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ صِيَامِهِ فِيهَا، إِذَا نَوَى الْمُقَامَ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْأَهْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِأَنَّ صَوْمَ الْمُتَمَتِّعِ إِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَى طَرِيقِ الْجُبْرَانِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ عَلَى طَرِيقِ النُّسُكِ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة، قَالُوا: وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالْوَاجِبُ، أَنْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى قَوْلِكُمْ قَبْلَ السَّلَامِ، وَعَلَى قَوْلِنَا عُقَيْبَ السَّلَامِ فَهَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ فِي " الْإِمْلَاءِ ".
وَحُجَّةُ مَالِكٍ وأبي حنيفة أَنْ يَصُومَهَا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَاسْتَقَرَّ بِبَلَدِهِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَ رَجَعْتُمْ) {البقرة: ١٩٦) فَلَا يَخْلُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ مَا ذَكَرُوا مِنَ الرُّجُوعِ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَبَطَلَ، أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الرُّجُوعُ عَنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ وَقْتٌ الْحَجِّ، دُونَ أَفْعَالِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ فِي الحَجِّ) {البقرة: ١٩٦) وَالصَّوْمُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، لَا فِي أَفْعَالِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الرُّجُوعُ، إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلْيَدْعُ وَمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ فِي الْحَجِّ وسبعةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إِذَا أُطْلِقَ فِيمَنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِهِ اقْتَضَى رُجُوعًا إِلَيْهِمْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute