عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَوْ يَدْفَعَ إِلَى الْقَاتِلِ آلَةً لَوْلَاهَا مَا قَدَرَ الْقَاتِلُ عَلَى قَتْلِهِ فَيَكُونُ الْمُحْرِمُ حينئذٍ قَاتِلًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَيُحْرُمُ عَلَيْهِ الْأَكْلُ.
فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكُلِّ حالٍ فَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جُثَامَةَ قَالَ: أَهْدَيْتُ لِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لحم حمارٍ وحشي، وهو بالأبواء، أو بودان، فَرَدَّهُ عَلَيَّ فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِي قال: إننا لسنا براديه عليك ولكننا حرمٌ.
وَأَمَّا أبو حنيفة حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى إِبَاحَتِهِ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ فَاسْتَدَلَّ بِأَنْ قَالَ: لِأَنَّهُ صيدٌ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُحْرِمُ، فَوَجَبَ أَلَّا يَحْرُمَ أَكْلُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَصْلُهُ إِذَا صَادَهُ الْمُحِلُّ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ مَعُونَةِ الْمُحْرِمِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا رِوَايَةُ المطلب بن عبد الله بن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَحْمُ صَيْدِ الْبَرِّ لَكُمْ حلالٌ وَأَنْتُمْ حرمٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ "، فَقَوْلُهُ: " لَحْمُ صَيْدِ الْبَرِّ لَكُمْ حلالٌ وَأَنْتُمْ حرمٌ " دلالةٌ عَلَى مَنْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ، وَقَوْلُهُ: " مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادُ لَكُمْ " دَلَالَةٌ عَلَى أبي حنيفة حَيْثُ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَهُ مَنْ صِيدَ لَهُ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ: " أَنَّهُ كان مع قومٍ وهم محرمون فأصابوا حمار وحشي فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاسْتَفْتُوهُ فَقَالَ هَلْ ضَرَبْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَشَرْتُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكَلُوا، فَلَمَّا سَأَلَهُمْ عَنِ الضَّرْبِ وَالْإِعَانَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ حرامٌ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِ الضَّرْبِ وَالْإِعَانَةِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَجَّ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فَلَمَّا بَلَغَ الْعَرَجَ أَهْدَى لَهُ صَاحِبُ الْعَرَجِ قَطًا مذبوحاتٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كَلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ هُوَ، وَقَالَ: إِنَّمَا صِيدَ مِنْ أَجْلِي.
وَلِأَنَّهُ صيدٌ قُتِلَ بمعونةِ الْمُحْرِمِ فَوَجَبَ أَنْ يَحْرُمَ أَكْلُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ أَصْلِهِ، إِذَا كَانَ الْمُحِلُّ لَا يَصِلُ إِلَى قَتْلِهِ إِلَّا بِمَعُونَةِ الْمُحْرِمِ فَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ محمولٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَادَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ فَلِذَلِكَ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْحَالِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا رَدَّهُ تَنْزِيهًا، وَهُوَ الْأَوْلَى بِالْمُحْرِمِ.
وَأَمَّا قِيَاسُ أبي حنيفة عَلَى الصَّيْدِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحِلُّ بِغَيْرِ مَعُونَةِ الْمُحْرِمِ فَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا فِي قِيَاسِنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute