فَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ سَبًّا، فُسِّقَ بِهِ وَعُزِّرَ مِنْ أَجْلِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ سَبَّ نَبِيًّا فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا فَقَدْ فَسَقَ ".
وَلَيْسَ مَنْ عاصر الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَاهَدَهُ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا يَشْتَمِلُ اسْمُ الصَّحَابَةِ عَلَى مَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَخَصَّصَ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والثاني: أن يتخصص به الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِالرَّسُولِ، فَيَكُونُ مِنْ أَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: مُكَاثَرَتُهُ فِي حَضَرِهِ وَسَفَرِهِ.
وَالثَّانِي: مُتَابَعَتُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
وَلَيْسَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنَ الْوُفُودِ، وَلَا مَنْ غَزَا مَعَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ، مِنَ الصَّحَابَةِ. لِعَدَمِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِيهِمْ.
وَأَمَّا اخْتِصَاصُ الرَّسُولِ بِهِ فَيَكُونُ بِهِ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَثِقَ بِسَرَائِرِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقْضِيَ بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ إِلَيْهِمْ.
وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ لِعَدَمِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِمْ فَصَارَ الصَّحَابِيُّ مَنْ تَكَامَلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَمَنْ أَخَلَّ بِهَا خَرَجَ مِنْهُمْ.
وَإِنْ كَانَ الْقَدْحُ فِي الصَّحَابَةِ جَرْحًا يَنْسُبُ بَعْضُهُمْ إِلَى فِسْقٍ وَضَلَالٍ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِ الْعَشْرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْجَنَّةِ، صَارَ بِاعْتِقَادِهِ لِفِسْقِهِ فَاسِقًا مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَشْرَةِ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، صَارَ بِتَفْسِيقِ أحدهم فاسقا؛ لأن الله تعالى أخبر بالرضى عَنْهُمْ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَنَازُعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قِتَالِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، صَارَ بِتَفْسِيقِهِ لِلصَّحَابَةِ فَاسِقًا " مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ ".
وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي تَنَازُعِ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي تَنَازُعِهِمْ هَلْ نَقَلَهُمْ عَنِ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: