قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ إِذَا أَخْبَرَ الْبَائِعُ أَنَّ الثَّمَنَ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِمِائَةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ افْتِرَاقِهِمَا يَدَّعِي خِيَانَةَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَأَنَّهُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ خِيَانَةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ خِيَانَةِ الْبَائِعِ سُمِعَتْ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهَا الْبَيْعُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِخِيَانَةِ الْبَائِعِ بَطَلَ الْبَيْعُ لِانْعِقَادِهِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا أَخْبَرَ بِنُقْصَانِ الثَّمَنِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَأْخُذُ بِعَقْدٍ مُسْتَأْنَفٍ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ خِيَانَةَ الْبَائِعِ عَيْبٌ دَلَّسَ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالتَّدْلِيسُ بِالْعَيْبِ إِذَا ظَهَرَ لَمْ يُوجِبْ بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ جَهَالَةِ الثَّمَنِ بِحَطِّ الْخِيَانَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ بالعيب إذا أوجب الرجوع بالأرش لم يقتضي جَهَالَةَ الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَ حَطُّ الْخِيَانَةِ لَمْ يُؤْذَنْ بِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِظُهُورِ الْخِيَانَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الثَّوْبِ الْمَبِيعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا أَوْ تَالِفًا فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ بَاقِيًا فَهَلْ تُحَطُّ الْخِيَانَةُ وَحِصَّتُهَا مِنَ الرِّبْحِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى إِنَّ الْخِيَانَةَ لَا تُحَطُّ وَأَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَخْذَهُ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مِائَةٌ وَعَشْرَةُ دَرَاهِمَ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِإِخْرَاجِ الثَّوْبِ مِنْ يَدِهِ إِلَّا بِهَذَا الثَّمَنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ عَلَى الْبَيْعِ بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ يَفْسَخَ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْخِيَانَةَ تُحَطُّ وَحِصَّتُهَا مِنَ الرِّبْحِ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ كَانَ بِالثَّمَنِ وَرِبْحُ الْعَشْرَةِ وَاحِدٌ فَإِذَا بَانَ الثَّمَنُ ثَمَانِينَ دِرْهَمًا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا فَعَلَى هَذَا هَلْ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا ظَهَرَتْ خِيَانَةُ الْبَائِعِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَقَالَ فِي الْبَائِعِ إِذَا عَادَ فَأَخْبَرَ بنقصان الثمن أن ليس للمشتري الخيار واختلف أَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَنْقُلُ جَوَابَ كل مسألة إلى الأخرى وَتَخْرِيجَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ حُطَّتِ الزِّيَادَةُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْخِيَانَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَى أَنْ يأخذ الثوب بمائة وعشرة دراهم وصار الْعَقْدُ لَهُ لَازِمًا فَإِذَا أَخَذَهُ بِثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ درهما فأولى أَنْ يَكُونَ تَرَاضِيًا وَيَكُونَ الْعَقْدُ لَازِمًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ابْتِيَاعِهِ بِمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ يَفْقِدُهُ إِذَا ابْتَاعَهُ بِثَمَانِيَةٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ ثَوْبًا بِهَذَا الثَّمَنِ أَوْ وَصِيًّا فِي وَصِيَّةٍ أَوْ حَالِفًا فِي يَمِينٍ فَقَصَدَ أَنْ يَبَرَّ فِيهَا فَإِذَا نَقَصَ مِنَ الثَّمَنِ فَاتَهُ الْغَرَضُ فَوَجَبَ لَهُ الْخِيَارُ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْجَوَابَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ لَا خِيَارَ لَهُ إِذَا حُطَّتِ الزِّيَادَةُ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ وَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا حُطَّتْ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ بخيانة البائع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute