وَبِأَيِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَجَابَهَا عَنْ أَيِّ لَفْظَةٍ مِنْهَا سَأَلَتْ بِهَا كَانَ مُجِيبًا بِمِثْلِهَا فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ خَالَفَهَا فِي اللَّفْظِ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ مُمَاثِلَةٌ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي اللَّفْظِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَلْفَاظُ الْكِنَايَةِ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إِلَّا مَعَ النِّيَّةِ فَإِنْ تَجَرَّدَتْ عَنِ النِّيَّةِ لَمْ يَقَعْ بها طلاق ولم يكن لها حكم، فسئل الزَّوْجَانِ عَنْ نِيَّتِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُهُمَا فيه من أربعة أحوال:
أحدها: أن تريد الزَّوْجَةُ بِسُؤَالِهَا وَيُرِيدَ الزَّوْجُ بِإِجَابَتِهِ الطَّلَاقَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَتِمُّ الْخُلْعُ، وَتَقُومُ الْكِنَايَةُ مَعَ البينةِ مَقَامَ الصَّرِيحِ فِي الطَّلَبِ وَالْإِيجَابِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَن لا يُرِيدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الطَّلَاقَ فَلَا طلاق ولا خلع لا حُكْمَ لِلَّفْظِ الْجَارِي بَيْنَهُمَا فِي فُرْقَةٍ وَلَا عِوَضٍ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تُرِيدَ الزَّوْجَةُ الطَّلَاقَ وَلَا يُرِيدَهُ الزَّوْجُ فَلَا طَلَاقَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ مَا لَمْ يُجِبْهَا إِلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُهَا مَا بَذَلَتْ مِنَ الْعِوَضِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مَا سَأَلَتْ مِنَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ أَكْذَبَتْهُ وَادَّعَتْ إِرَادَةَ الطَّلَاقِ أَحْلَفَتْهُ، وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَلَا تُرِيدَهُ الزَّوْجَةُ فَيُقَالُ لِلزَّوْجِ: هَلْ علمت حين أرادت الطَّلَاقَ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمْ تُرِدِ الطَّلَاقَ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ وَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا وَلَا عِوَضَ لَهُ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا أَرَادَتِ الطَّلَاقَ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْهُ.
قِيلَ لَهُ: أَفَتُصَدِّقُهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرِدِ الطَّلَاقَ فَإِنْ صَدَّقَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ طَلَّقَ عَلَى شَرْطِ عِوَضٍ لَمْ يَحْصُلْ فَإِذَا لَمْ يُؤْخَذِ الشَّرْطُ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ أَكْذَبَهَا وَقَالَ: بَلْ أَرَدْتِ الطَّلَاقَ وَقَعَ طَلَاقُهُ بَائِنًا لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِهِ، وَلَهُ إِحْلَافُهَا أَنَّهَا لَمْ تُرِدِ الطَّلَاقَ، فَإِذَا حَلَفَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، فَإِنْ نَكَلَتْ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا الْأَلْفُ الَّتِي صَرَّحَتْ بِذِكْرِهَا، وَحَلِفَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَسْأَلَهُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَيُجِيبَهَا بِمِثْلِهِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، فَقَالَ: قَدْ خَالَعْتُكِ أَوْ تَقُولَ لَهُ: فَادِنِي بِأَلْفٍ فَيَقُولَ لَهَا: قَدْ فَادَيْتُكِ أَوْ تَقُولَ لَهُ: اخلعني فيقول: قد خالعتك فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، لِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ صَرِيحَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الْحُكْمِ، أَمَّا الْمُفَادَاةُ فَلِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِهَا وَأَمَّا الْخُلْعُ فَلِمَعْهُودِ اللُّغَةِ فِيهِ.
وَهَذَا الْقِسْمُ إِنَّمَا يَتَمَيَّزُ عَنِ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إِذَا قِيلَ إِنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ فَسْخٌ، وَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ كِنَايَةٌ لَدَخَلَ فِيهِمَا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْهُمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ الْخُلْعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute