أَنْ لَا يَعُودَ لِحَرْبِهِ أَبَدًا فَعَادَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَسَرَهُ، وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ صِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ زَيْنَبَ.
وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِدَاءِ رواية عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ [أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فادى رجل برجلين رواه الشافعي مفسرا أن عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ] قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سرية فأسروا رجلا من بني عقيل فاستوثق منه، وطرح في الحرة فمن به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال: فيما أخذت وفيم أُخذت سالفة الحاج يعني العضباء قال أخذت بجريرة حلفائكم مِنْ ثَقِيفٍ قَدْ أَسَرُوا مُسْلِمِينَ فَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي وَعَطْشَانٌ فَاسْقِنِي، وَأَنَا مُسْلِمٌ فَخَلِّنِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَوْ قُلْتَ هَذَا قَبْلَ هَذَا أَفْلَحْتَ كُلَّ الفلاح، يعني: قبل أن تسترق وفاده بِرَجُلَيْنِ، وَحَبَسَ الْعَضْبَاءَ وَهِيَ نَاقَتُهُ الَّتِي خَطَبَ عَلَيْهَا بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُفَادِي بِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ.
قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَرَقًّا فَصَارَتْ مُفَادَاتُهُ عِتْقًا؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْفِدَاءِ [مَعَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دَارِنَا بِالْجِزْيَةِ] مَعَ إِقْرَارِهِمْ فِي دَارِنَا جَازَ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمْ بِالْفِدَاءِ مَعَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دَارِنَا أَوْلَى.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ اعْتِيَاضُ رَقَبَةٍ مُشْرِكَةٍ فَجَازَ كَالْحُرِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَآلُفُ الْمُشْرِكِينَ بِإِعْطَائِهِمْ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ كَانَ تَآلُفُهُمْ بالْمَنِّ أَوْلَى، وَرُبَّمَا كَانَ الْمَنُّ أَبْلَغَ فِي تَآلُفِهِمْ أَثَرًا أَوْ أعم صلاحاء.
وَحُكِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنَ الْخَوَارِجِ مِنْ أَصْحَابِ قَطَرِيِّ بْنِ الْفُجَاءَةِ، وَكَانَ يَعْرِفُهُ فَلَمَّا رَآهُ مَنَّ عَلَيْهِ فَعَادَ إِلَى قَطَرِيٍّ، فَقَالَ لَهُ قَطَرِيٌّ: عُدْ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّ اللَّهِ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: هَيْهَاتَ عَلَا يَدًا مُطْلِقُهَا وَاسْتَرَقَّ رَقَبَةً مُعَتِقُهَا، وَأَنْشَدَ يَقُولُ:
(أُقَاتِلُ الْحَجَّاجَ عَنْ سُلْطَانِهِ ... بِيَدٍ تُقِرُّ بِأَنَّهَا مَوْلَاتُهُ)
(إِنِّي إِذَنْ لَأَخُو الدَّنَاءَةِ وَالَّذِي ... شَهِدَتْ بِأَقْبَحِ فِعْلِهِ غدراته)
(ماذا أقول جار على أني إذن ... لَأَحَقُّ مَنْ جَارَتْ عَلَيْهِ وُلَاتُهُ)
(وَتَحَدَّثَ الْأَقْوَامُ أن ضائعا ... عَرَسَتْ لِذِي مُحْبَنْطِلٍ نَحَلَاتُهُ)
وَإِذَا كَانَ الْمَنُّ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنَ التَّآلُفِ وَالِاسْتِصْلَاحِ جَازَ إِذَا أَدَّى الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ أَنْ يُفْعَلَ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] فَهُوَ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أَسْرَى بَدْرٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُمْ قَوْمُكَ وَعَشِيرَتُكَ فَاسْتَبْقِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ، وَقَالَ عُمَرُ: هُمْ