فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَمَا دُونَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ فَقَالَ: " الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ".
قِيلَ: فَالثُّلُثُ جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، وَأَنْتَ جَعَلْتَهُ فِي حُكْمِ مَا زَادَ عَلَيْهِ فَقَدْ خَالَفْتَ فِيمَا تَعَلَّقْتَ بِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَيْ كَثِيرُ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ أنه ملحق بما هو أقل منه.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ أَنَّهُ أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدِهَا: مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ سُفْيَانَ وَهَّنَهُ، لِأَنَّهُ قَالَ قَدْ كَانَ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ السِّنِينَ، وَقَبْلَ أَمْرِهِ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ كَلَامًا لَمْ أَحْفَظْهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يَحْفَظْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَادِهِ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَبِصَرْفِ حُكْمِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي بَيْعِ السِّنِينَ الْمُقْتَرِنِ بِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ بُيُوعِ الثِّمَارِ الْفَاسِدَةِ.
وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ مَحْمُولٌ عَلَى وَضْعِهَا عَنِ الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ الثَّانِي قَوْلُهُ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: وَهُوَ جَوَابُ الطحاوي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ كَمَا قال تألا فُلَانٌ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عن قولهم أنها على رؤوس نَخْلِهَا غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ مِنَ الْخِيَارِ بِحُدُوثِ الْعَطَشِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: وَهُوَ جَوَابُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْقَبْضِ، قَالَ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ فِي خِيَارِ الثَّلَاثِ يَسْتَحِقُّ رَدَّهُ بِمَا حَدَثَ مِنَ الْعُيُوبِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ وَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ تَامًّا فَكَذَا الثَّمَرَةُ وَلَا يَكُونُ الْخِيَارُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْقَبْضِ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ خِيَارَ الْعَطَشِ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهُ الْمُشْتَرِي لِوُجُوبِ السَّقْيِ عَلَى الْبَائِعِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِالتَّلَفِ رُجُوعٌ لِأَنَّ الْحَطَّ لَا يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ.
وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّ مَا حَدَثَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْعَيْبِ مِنْ زَمَانِ الْخِيَارِ