وَلِأَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ الْأَنْبِيَاءُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] .
وَقَالَ تعالى: {وظن داود أنما فتنه فاستغفر ربه} [ص: ٢٤] وقال: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى فِي يُونُسَ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا مِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مَنْ عَصَى اللَّهَ أَوْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ إِلَّا أَخِي يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ".
وَقِيلَ: إِنَّهُ اخْتُبِرَ يَحْيَى فِي كُوزِ مَاءٍ رَآهُ مَمْلُوءًا وَفَرَغَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
وَقِيلَ لَهُ: مَا فِي [الْكُوزِ] فَقَالَ: كَانَ فِيهِ مَاءٌ. وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مَاءٌ فَيَكُونُ كَذِبًا فَتَحَفَّظَ حَتَّى سَلِمَ.
وَلِأَنَّ أَعْصَى خَلْقِ اللَّهِ إِبْلِيسُ وَقَدْ كَانَتْ مِنْهُ طَاعَةٌ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أجمعين إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: ٨٢، ٨٣]
وَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ أَحَدٌ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْعَدَالَةُ مَقْصُورَةً عَلَى خُلُوصِ الطَّاعَاتِ. وَلَا الْفِسْقُ مَقْصُورًا عَلَى خُلُوصِ الْمَعَاصِي. لِامْتِنَاعِ خُلُوصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَلَا اعْتِبَارَ بِالْمُمْتَنِعِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ الْأَغْلَبُ مِنْ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ. حُكِمَ بِعَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ عَصَى بِبَعْضِ الصَّغَائِرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةَ وَتَرْكَ الْمُرُوءَةِ، حُكِمَ بِفِسْقِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ وَإِنْ أَطَاعَ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ موازينه فأولئك هم المفلحون وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١٠٣، ١٠٢]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩] .
فَغَلَّبَ حُكْمَ الْأَغْلَبِ كَمَا غَلَّبَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ حُكْمَ الْأَغْلَبِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إِذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ.
وَفِي نِكَاحِ النِّسَاءِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِأُخْتٍ إِنْ كَانَتْ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ، حُرِّمْنَ عَلَيْهِ حَتَّى تَتَعَيَّنَ لَهُ مَنْ لَيْسَتْ بِأُخْتٍ فَتَحِلَّ. وَإِنْ كَانَتْ فِي جَمٍّ غَفِيرٍ حَلَلْنَ لَهُ حَتَّى تَتَعَيَّنَ لَهُ مَنْ هِيَ أخت فتحرم.