وَالثَّانِي: اسْتِحْقَاقُ الرَّجْعَةِ فِي طَلْقَةِ الْبَتَّةِ.
وَقَدِ اسْتَخْرَجَ أَصْحَابُنَا مِنْهُ أَدِلَّةً عَلَى أَحْكَامٍ فِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: الِاسْتِحْلَافُ، وَفِيهِ أَدِلَّةٌ عَلَى خمسة أحكام:
أحدهما: أن تعجل اليمين قبل الاستحلاف لا يجزىء.
وَالثَّانِي: جَوَازُ الِاقْتِصَارِ فِي الْيَمِينِ عَلَى إِحْلَافِهِ بِاللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ بِصِفَاتِهِ.
وَالثَّالِثُ: جَوَازُ حَذْفِ وَاوِ الْقَسَمِ مِنَ الْيَمِينِ، فَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِرُكَانَةَ: " اللَّهِ إِنَّكَ أَرَدْتَ وَاحِدَةً؟ " فَقَالَ: اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ وَاحِدَةً ".
وَالرَّابِعُ: اسْتِحْقَاقُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ إِذَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّنَازُعُ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَمِينَ فِي ذَلِكَ.
وَالْخَامِسُ: اسْتِحْلَافُهُ عَلَى نِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الطَّلَاقُ، وَفِيهِ أَدِلَّةٌ عَلَى خَمْسَةِ أَحْكَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَتَّةَ لَا تَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْبَتَّةَ ثَلَاثًا، وَقَدْ جَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاحِدَةً بِإِرَادَةِ رُكَانَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّفْظَ مَحْمُولٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمُطَلِّقِ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحْمَلَ عَلَى إِرَادَتِهِ فِي الْعَدَدِ، وَأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتَا بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ إِلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا، وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلْقَتَانِ، وَقَدْ أُحْلِفَ رُكَانَةَ عَلَى مَا أَرَادَهُ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثَةِ يَقَعُ دُفْعَةً وَاحِدَةً إِذَا أُرِيدَ، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ، تَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بِحَالٍ.
وَلَوْ لَمْ تَقَعِ الثَّلَاثَةُ مَا أُحْلِفَ رُكَانَةَ عَلَى إِرَادَةِ الواحدة.