وَقَالَ أبو حنيفة: الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهَا، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ فَصَلُّوا وِتْرَ اللَّيْلِ " فَأَمَرَ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرَ عَلَى صِفَةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَبِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ الْبَتْرَاءِ ركعةٍ واحدةٍ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُبَّمَا وَصَلُوهُ بِرَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ " قَالُوا: وَلِأَنَّ كُلَّ قَدْرٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ وِتْرًا قِيَاسًا عَلَى بَعْضِ رَكْعَةٍ
وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بركعةٍ "
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ واحدةٍ وَيَقُولُ هَذَا وِتْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مسلمٍ، وَلَيْسَ بواجبٍ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بثلاثٍ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بواحدةٍ فَلْيُوتِرْ " فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ، وَعَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ تُجْزِئُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ سَائِغٌ
وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصَلِّي فِي اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بواحدةٍ
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " فَدَلَّ مَا رَوَيْنَاهُ قَوْلًا، وَفِعْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ عَدَدٍ كَانَ صَلَاةً جَازَ أَنْ يَكُونَ شَطْرُهُ صَلَاةً كَالْأَرْبَعِ، وَلِأَنَّ أَقَلَّ نَوْعَيِ الْعَدَدِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ صَلَاةً، كَالشَّفْعِ الَّذِي أَقَلُّهُ رَكْعَتَانِ، وَلِأَنَّ مَا جَازَ أَنْ يُفْعَلَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَلَاةً كَالرَّكْعَتَيْنِ
فَمَا تَعَلُّقُهُمْ بِمَا رَوَوْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ فَصَلُّوا وِتْرَ اللَّيْلِ " فَحَدِيثُ مَجْهُولٍ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، فَإِنْ سَلِمَ لَهُمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْأَفْرَادِ دُونَ الْأَزْوَاجِ، لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَسَاوِيَهُمَا فِي الْعَدَدِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ افْتِرَاقُهُمَا فِي غَيْرِ الْعَدَدِ إِذَا صَحَّ التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا، وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يُعَارِضُهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثَةٍ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْمَغْرِبِ وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ، أَوْ تِسْعٍ " وأما نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الصَّلَاةِ الْبَتْرَاءِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ " فَمَحْمُولٌ عَلَى الْفَرْضِ بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute