معه، فقال حمل بن مالك النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ بطَل، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ " مِنْ أَجْلِ مَسْجَعِهِ الَّذِي سَجَعَهُ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ جَابِرٍ أن امرأتي مِنْ هُذَيْلٍ قَتَلَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلَةِ وَرَوَى أَبُو عَازِبٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قَالَ: " الْقَوَدُ بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ".
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَيَّزَ بَيْنَ مَعَاقِلِ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَجَعَلَ مَعَاقِلَ قُرَيْشٍ فِيهِمْ، وَمَعَاقِلَ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي سَاعِدَةَ.
وَرَوَى حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ اخْتَصَمَا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأن الزبير ابنها وعلي ابْنُ أَخِيهَا، فَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِالْمِيرَاثِ وَعَلَى عَلِيٍّ بِالْعَقْلِ.
وَلِأَنَّ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ انْعَقَدَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أَنْفَذَ رَسُولَهُ إِلَى امْرَأَةٍ فِي قَذْفٍ بَلَغَهُ عَنْهَا فَأَجْهَضَتْ ذَاتَ بَطْنِهَا، فَسَأَلَ عُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَا: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَنْتَ مُعَلِّمٌ، وَسَأَلَ عَلِيًّا فقال: إن كانا اجتهادا فَقَدْ أَخْطَآ وَإِنْ كَانَا مَا اجْتَهَدَا فَقَدْ غَشِيَا عَلَيْكَ الدِّيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَضْرِبَهَا عَلَى قومك يعني قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ عَاقِلَتُهُ، فَقَضَى بِهَا عَلَيْهِمْ فَتَحَمَّلُوهَا عَنْهُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ جَمِيعِ الأمة أحد من انْتِشَارِ الْقَضِيَّةِ، وَظُهُورِهَا فِي الْكَافَّةِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ لَا يَسُوغُ خِلَافُهُ وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَ الْعَاقِلَةِ بِالِاسْمِ مُوجِبٌ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْحُكْمِ، وَفَقْدَ الْحُكْمِ يُوجِبُ زَوَالَ الِاسْمِ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ فِي كَلَامِهِمِ الْمَنْعُ، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ عَنِ الْقَاتِلِ بِأَسْيَافِهِمْ، فَلَمَّا مَنَعَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنَ السَّيْفِ عَوَّضَ مِنْهُ مَنَعَهُمْ مِنْهُ بِأَمْوَالِهِمْ، وَلِذَلِكَ انْطَلَقَ اسْمُ الْعَاقِلَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ النُّفُوسَ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْأَمْوَالِ، وَقَتْلَ الْخَطَأِ يَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَفِي إِيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا اسْتِئْصَالُ مَالِهِ إِنْ كَانَ وَاحِدًا وَقَلَّ أَنْ يَتَّسِعَ لِتَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَالُ الْوَاحِدِ، وَإِمَّا إِهْدَارُ الدَّمِ إِنْ كَانَ مُعْدَمًا، وَفِي تَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ عَنْهُ مُوَاسَاةٌ تُفْضِي إِلَى حِفْظِ الدِّمَاءِ وَاسْتِبْقَاءِ الْأَحْوَالِ، وَهَذَا أَدْعَى إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَثُ عَلَى التَّعَاطُفِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَحَمَّلَ بِالنَّسَبِ بَعْضَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ جَازَ أَنْ يَتَحَمَّلَ بَعْضَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْأَمْوَالِ وَهُوَ دِيَاتُ الْخَطَأِ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَحَقِيقَةُ الْوِزْرِ الْإِثْمُ، وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ، وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا الْمَأْثَمُ وَإِمَّا أَحْكَامُ عَمْدِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْخَبَرَيْنِ إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute