للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحدهما: مَا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: كُتِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وميمون يومئذ على الجزيرة إذ سأل يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ، وَكَانَ ابْنَ أُخْتِ مَيْمُونَةَ كَيْفَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ، فَقَالَ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَبَنَى بِهَا بِسَرِفَ حَلَالًا وَمَاتَتْ بِسَرِفَ فَهُوَ ذَاكَ قَبْرُهَا بِسَرِفَ تَحْتَ السَّقِيفَةِ أَوْ تَحْتَ الْعَقَبَةِ ".

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: مَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْفَذَ أَبَا رَافِعٍ وَرَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَقِيلَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى مَيْمُونَةَ فَتَزَوَّجَهَا، وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهَا أُمِّ الْفَضْلِ، فَزَوَّجَهَا، ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعَ عشرة العصيبة، فَأَخَذَهَا بِمَكَّةَ وَبَنَى بِهَا بسرفٍ.

وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: مَا رَوَى مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا إِلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رباحٍ، فَسَمِعْتُهُ يخبر رجلاً أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب وَهُوَ حرامٌ وَمَلَكَهَا وَهُوَ حرامٌ. فَلَمَّا تَصَدَّعَ من عنده وحوله، حَدَّثَهُ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ: فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذَا عَجُوزٌ كَبِيرٌ، فَسَأَلَهَا عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو حلالٌ ونكحها وَهُوَ حلالٌ وَدَخَلَ بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ.

فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْأَصَمِّ ابْنُ أُخْتِهَا، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَتِيقُهَا، وَابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ طِفْلٌ لَا يَضْبُطُ مَا شَاهَدَ، وَلَا يَعِي مَا سَمِعَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَاتَ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعُ سِنِينَ، وَكَانَ تَزْوِيجُ ميمونة قبل موته بثلاثة سِنِينَ، عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أن من قل هديه وأشعر صَارَ مُحْرِمًا فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِرِوَايَتِهِ أَنَّهُ نَكَحَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ بَعْدَ تَقْلِيدِ هَدْيِهِ وَإِشْعَارِهِ، وَقِيلَ عَقَدَ الْإِحْرَامَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّجْعَةِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى أَصْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ، وَالرَّجْعَةُ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ أَخَفُّ حَالًا مِنِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِصْلَاحُ خَلَلٍ فِي الْعَقْدِ، أَلَا تَرَاهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى وَلِيٍّ وَلَا إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى شِرَاءِ الْإِمَاءِ، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِمْتَاعَ، وإنما المقصود منه التِّجَارَةُ وَطَلَبُ الرِّبْحِ أَوِ الِاسْتِخْدَامُ فَلِذَلِكَ جَازَ شِرَاءُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ أَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ مَقْصُودِهِ وَعَقْدُ النِّكَاحِ مَقْصُودُهُ الِاسْتِمْتَاعُ فَمَنَعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ مقصوده، وأما قولهم: إنما منع الإحرام من ابتدائه منع من استدامته، فَبَاطِلٌ بِالطِّيبِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنَ ابْتِدَائِهِ وَلَا يَمْنَعُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أبي حنيفة مِنِ استدامته.

وأما قولهم: إنما مَنَعَ مِنْهُ الْإِحْرَامُ تُعَلَّقُ بِهِ الْفِدْيَةُ، فَبَاطِلٌ بِالصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ قَتْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>