للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى مَنْ يُولَدُ لِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، فَهَذَا وَقْفٌ بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَنْ يُولَدُ لَهُ مَعْدُومٌ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ مُلْحَقًا بِالْهِبَاتِ ثُمَّ يَكُونُ مَا وقفه على ملكه قولاً واحد بِخِلَافِ مَا وَقَفَهُ وَقْفًا مُرْسَلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَعْدُومٍ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُقَدَّرِ وَالْمُنْقَطِعِ وَفِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: هُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَعْدُومٍ وَفَرْعٍ مَوْجُودٍ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُهَا عَلَى مَنْ يُولَدُ لِي، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُخَرِّجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَعْدُومٍ.

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لِعَدَمِ أَصْلِهِ.

وَالثَّانِي: جَائِزٌ لِوُجُودِ فَرْعِهِ وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَجْعَلُ الْوَقْفَ بَاطِلًا قَوْلًا وَاحِدًا، وَهَذَا هو الصحيح، والفرق بين هذا ويبن أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَعْدُومٍ أَنَّ مَا عُدِمَ أَصْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ مَصْرِفٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ لَهُ مَصْرِفٌ فِي ثَانِي حَالٍ، فَبَطَلَ وَمَا وُجِدَ، فَلَهُ مَصْرِفٌ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا مَا يُخَافُ عَدَمُ مَصْرِفِهِ فِي ثَانِي حَالٍ فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إِلَّا أَنْ يُولَدَ لِي وَلَدٌ فَيَكُونُ الْوَقْفُ لَهُ وَلِوَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا، وَإِذَا انْقَرَضُوا فَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَهَذَا وَقْفٌ جَائِزٌ، لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ فِيهِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَ مَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَعْدُومًا، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ، كَمَا لَوْ وَقَفَهُ عَلَى وَلَدٍ لَهُ مَوْجُودٌ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الَّذِينَ لَمْ يُولَدُوا بَعْدُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَانَ الْوَقْفُ جَائِزًا فَهَذَا حُكْمُ الشَّرْطِ الثَّانِي وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى جِهَةٍ تَصِحُّ مِلْكُهَا أَوِ التَّمَلُّكُ لَهَا، لِأَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ مَمْلُوكَةٌ، وَلَا تَصِحُّ إِلَّا فِيمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَالِكًا.

قِيلَ: هَذَا وَقَفٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا عَيَّنَ مَصْرِفَهُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَصَارَ مَمْلُوكًا مَصْرُوفًا فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مِنْ مَصَالِحِهِمْ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ دَارِي عَلَى دَابَّةِ زَيْدٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا تُمَلَّكُ وَلَا يُصْرَفُ ذَلِكَ فِي نَفَقَتِهَا، لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُهَا عَلَى دَارِ عَمْرٍو لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُمَلَّكُ فَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى عِمَارَةِ دَارِ زَيْدٍ، نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ دَارُ زَيْدٍ وَقْفًا صَحَّ هَذَا الْوَقْفُ، لِأَنَّ الْوَقْفَ طَاعَةٌ وَحِفْظَ عِمَارَتِهِ قُرْبَةٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفَهَا على مساجد أَوْ رِبَاطٍ أَوْ كَانَتْ دَارُ زَيْدٍ مِلْكًا طَلْقًا. بَطَلَ هَذَا الْوَقْفُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الدَّارَ لَا تُمَلَّكُ وَلَيْسَ اسْتِيفَاؤُهَا وَاجِبًا إِذْ لِزَيْدٍ بَيْعُهَا، وَلَيْسَ فِي حِفْظِ عِمَارَتِهَا طَاعَةٌ، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى عَبْدِ زَيْدٍ، نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى نَفَقَةِ الْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لِيَكُونَ الْعَبْدُ مَالِكًا لِغَلَّتِهِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْعَبْدِ هَلْ يَمْلِكُ إِذَا مَلَكَ أَمْ لَا؟ وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى الْمُكَاتِبِينَ أَوْ على

<<  <  ج: ص:  >  >>