للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أن يشترط رجوعها إليه.

والثالث: أن يطلق، وإن اشرط رُجُوعَهَا إِلَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ إِنَّهُمَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا لَهُمَا مِنَ الْآثَارِ لِمُوجِبِ الشَّرْطِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ تَغْلِيبًا لِلْحُكْمِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنِ اشْتَرَطَ تَأْبِيدَهَا أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ، لِأَنَّ تَعْيِينَ الْأَصْلِ فيه أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي مَصْرَفِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ لِأَنَّهَا أَعَمُّ.

وَالثَّانِي: فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لِأَنَّهُمْ مَقْصُودُ الصَّدَقَاتِ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَكِنْ أَطْلَقَ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ ذِكْرَ الْأَقَارِبِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ، وَرَوَى حَرْمَلَةُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُخَرِّجُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَرُدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ مِنْ أَقَارِبِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَرْجِعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْهُمْ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، وَهُوَ نَصُّ مَا رَوَاهُ حَرْمَلَةُ، وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَتِ الرِّوَايَةُ مُخْتَلِفَةً وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ مَحْمُولٌ عَلَى تَقْيِيدِ حَرْمَلَةَ وَيَرُدُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ أَقَارِبِهِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، لِأَنَّهُ مَصْرِفُ الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ فِي ذَوِي الْحَاجَةِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَقَارِبَ صِلَةً لِلرَّحِمِ كَالزَّكَاةِ، وَإِذَا تقرر ما وصفنا فلا يخلوا حَالُ الْوَقْفِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَوْجُودٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَعْدُومٍ وَفَرْعٍ مَعْدُومٍ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَعْدُومٍ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَعْدُومٍ وَفَرْعٍ مَوْجُودٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَصْلٍ مَوْجُودٍ وَفَرْعٍ مَوْجُودٍ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُ الدَّارَ عَلَى زَيْدٍ فَإِذَا مَاتَ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَهَذَا جَائِزٌ، لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ زَيْدًا أَصْلًا وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَالْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فَرْعًا وَهُمْ مَوْجُودُونَ، وَهَكَذَا إِذَا قَالَ: وَقَفْتُهَا عَلَى زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَادُ زَيْدٍ مَوْجُودِينَ، لِأَنَّهُمْ تَبَعٌ لِمَوْجُودٍ وَيَتَعَقَّبُهُمْ فَرْعٌ مَوْجُودٌ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الْوَقْفُ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا فِي فَرْعِهِ.

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَصْلٌ مَعْدُومٌ وَفَرْعٌ مَعْدُومٌ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَقَفْتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>