وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا بِمُغَلَّظَةِ الْكَرَاهَةِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَرِهْنَا ذَلِكَ، وَأَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَا تَعُودُ كَرَاهَتُهُ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَعُودُ كَرَاهَتُهُ إِلَيْهَا لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ اللَّعِبِ.
وَالثَّانِي: تَعُودُ كَرَاهَتُهُ إِلَى مَا يَحْدُثُ عَنْهَا مِنَ الْخَلَاعَةِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ حَظَرَهَا وَحَرَّمَهَا بِمَا رَوَاهُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الْلَعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ ".
وَبِمَا رُوِيَ [عَنِ النَّبِيِّ]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ اللَّعِبِ حَرَامٌ إِلَّا لَعِبَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ وَلَعِبَهُ بِفَرَسِهِ وَلَعِبَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ ". فَعَمَّ تَحْرِيمَ اللَّعِبِ إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ.
فَكَانَ الشِّطْرَنْجُ دَاخِلًا فِي عُمُومِ التَّحْرِيمِ وَخَارِجًا مِنِ اسْتِثْنَاءِ الْإِبَاحَةِ.
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ وَأَلْقَى فِيهَا كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَدَلَّ تَشْبِيهُهُ لَهَا بِالْأَصْنَامِ عَلَى تَحْرِيمِهَا كَالْأَصْنَامِ.
وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْهَا فقال: أحق هي؟ قيل: لا. قال: فما بعد الحق إلا الضلالة فَأَنَّى تَصْرِفُونَ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَبَاحَهَا وَحَلَّلَهَا: بِانْتِشَارِهَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِقْرَارًا عَلَيْهَا، وَعَمَلًا بِهَا، فَرَوَى الْخَطِيبُ مَوْلَى سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْنَا وَلَا يَنْهَانَا.
وَرَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: ادْفَعْ ذَا وَدَعْ ذَا.
وَرَوَى أَبُو رَاشِدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَدْعُو غُلَامًا فَيُلَاعِبُهُ بِالشِّطْرَنْجِ.
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ الشِّطْرَنْجَ ويلعب بها.