للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ.

وَالثَّالِثُ: إِكْذَابُ نَفْسِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الِاصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: وَإِنِّي كَاذِبٌ فِي قَذْفِي لَهُ بِالزِّنَا، وَقَدْ رَوَى عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَوْبَةُ الْقَاذِفِ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ إِكْذَابَ نَفْسَهُ أَنْ يَقُولَ قَذْفِي لَهُ بِالزِّنَا كَانَ بَاطِلًا، وَلَا يَقُولُ: كُنْتُ كَاذِبًا فِي قَذْفِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، فَيَصِيرُ عَاصِيًا بِكَذِبِهِ كَمَا كَانَ عَاصِيًا بِقَذْفِهِ، وَهَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوْبَةِ: وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ يُغْنِي عَنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ التَّوْبَةِ مُعْتَبَرٌ، وَالْعَزْمُ لَيْسَ بِقَوْلٍ، وَإِذَا كَانَتِ التَّوْبَةُ مِنَ الْقَذْفِ مُعْتَبَرَةً بِهَذِهِ الشُّرُوطِ، فَالْقَذْفُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: قَذْفُ نَسَبٍ، وَقَذْفُ شَهَادَةٍ.

وَأَمَّا قَذْفُ النَّسَبِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ التَّائِبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَذْفِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَّا بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ، وَصَلَاحِ عَمَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٥] وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَذْفِ عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَهَلْ يُرَاعَى فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ صَلَاحُ عَمَلِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَصَلَاحِ عَمَلِهِ لِارْتِفَاعِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْعَدَالَةِ بِمَا حَدَثَ مِنَ الْفِسْقِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَتَثْبُتُ عَدَالَتُهُ بِحُدُوثِ تَوْبَتِهِ لِأَنَّهَا رَافِعَةٌ لِحُكْمِ فِسْقِهِ.

وَأَمَّا قَذْفُ الشَّهَادَةِ إِذَا لَمْ يُسْتَكْمَلْ عَدَدُ الشُّهُودِ، فَفِي وُجُوبِ حَدِّهِمْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُونَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُونَ بِالتَّوْبَةِ، لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا إِقَامَةَ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>