وَالْقَوْلُ الثَّانِي: الْحَدُّ عَلَيْهِمْ وَاجِبٌ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّهُمْ حِينَ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهُمْ فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِفِسْقِهِمْ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةُ مِنْ فِسْقِهِمْ، وَيُعْتَبَرُ فِي تَوْبَتِهِمْ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَذْفِ النَّسَبِ أَنْ يَقُولَ: قَذْفِي بَاطِلٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى النَّدَمِ، وَتَرْكِ الْعَزْمِ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَنْ يَقُولَ: إِنِّي كَاذِبٌ وَلَا يَقُولُ لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَمُلَ عَدَدُ الشُّهُودِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ تَوْبَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ لِحَالِهِ، وَصَلَاحِ عَمَلِهِ، لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ وَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِذَا حَدَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَجْهًا، وَهَذَا رَدٌّ مِنْهُ عَلَى عُمَرَ فِي قَوْلٍ انْتَشَرَ فِي الصَّحَابَةِ، فَوَافَقُوهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ قَذْفِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَقُبِلَتْ رِوَايَتُهُ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ لَمْ يَتُبْ فَقُبِلَتْ رِوَايَتُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ تَغْلِيظُ الشَّهَادَةِ حِينَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْ وَاحِدٍ، وَتَخْفِيفُ الرِّوَايَةِ حِينَ قُبِلَتْ مِنْ وَاحِدٍ.
فَأَمَّا قَذْفُ النَّسَبِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ قَاذِفِهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ شَهَادَةٌ وَلَا تُسْمَعُ لَهُ رِوَايَةٌ: لِأَنَّ الْفِسْقَ بِقَذْفِ النَّسَبِ نَصٌّ، وَبِقَذْفِ الشَّهَادَةِ اجْتِهَادٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute