وَالثَّالِثُ: بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ بَدَلِهِ إِنْ عُدِمَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَتَسْلِيمُ نَفْسِهِ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْقِصَاصِ ليقتص أو يعفوا، فَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَالِ أُنْظِرَ إِلَى مَيْسَرَتِهِ، وَالتَّوْبَةُ قَدْ صَحَّتْ، وَهَذِهِ التَّوْبَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، لِأَنَّ الْغَصْبَ ظَاهِرٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ مُخْتَصًّا بِاللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا، وَاللِّوَاطِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَهُ فِي فِعْلِهِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَتَرَ بِفِعْلِهِ، وَلَمْ يَتَظَاهَرْ بِهِ، فَالْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدَّ اللَّهِ " وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النَّدَمُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ، فَإِنْ أَظْهَرَهُ لَمْ يَأْثَمْ بِإِظْهَارِهِ لِأَنَّ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ اعْتَرَفَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالزِّنَا فَرَجَمَهُمَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا اعْتِرَافَهُمَا.
وَقَالَ لِهَزَّالِ بْنِ شُرَحْبِيلَ وَقَدْ أَشَارَ عَلَى مَاعِزٍ بِالِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا. " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ "، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ مُعْتَبَرَةً بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: النَّدَمِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ، وَتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْحَدِّ، فَإِنْ سَلَّمَهَا، وَلَمْ يُحَدَّ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، وَكَانَ الْمَأْثَمُ فِي تَرْكِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ، فَالتَّوْبَةُ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا حُدُودُ الْحِرَابَةِ.
وَفِي سُقُوطِ مَا عَدَاهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَقَطْعِ السَّرِقَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ كَالْحِرَابَةِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ مُعْتَبَرَةً بِشَرْطَيْنِ النَّدَمِ وَالْعَزْمِ.
وَالثَّانِي: لَا تَسْقُطُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ مُعْتَبَرَةً بَعْدَ الشَّرْطَيْنِ بِثَالِثٍ، وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ لِلْحَدِّ، وَهَذَا إِذَا تَابَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ، وَيَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِلَى حَالِهِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ.
فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَا يَتَوَقَّفْ عَنْهُ لِاسْتِبْرَاءِ صَلَاحِهِ، لِأَنَّهُ مَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ فِيمَا كَانَ مَسْتُورًا عَلَيْهِ إِلَّا عَنْ صَلَاحٍ يُغْنِي عَنِ اسْتِبْرَاءِ الْحَالِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ تَظَاهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ مِنَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَظَاهَرَ بِالتَّوْبَةِ كَمَا تَظَاهَرَ بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ الْحَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ مُسْتَوْفِيهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ، وَيُعْتَبَرُ صِحَّةُ تَوْبَتِهِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ، النَّدَمِ عَلَى فِعْلِهِ وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ مِثْلِهِ، وَأَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَفِي سُقُوطِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute