للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ قَالَ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.

وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْيَهُودَ جَمَعُوا لَهُ حُلِيًّا مِنْ حُلِيِّ نِسَائِهِمْ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمُ الْخَرْصَ وَيَأْخُذَ مِنْهُمُ الْحُلِيَّ فَأَبَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ: إِنَّ الرِّشْوَةَ سُحْتٌ، وَإِنَّكُمْ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ بُغْضِي لَكُمْ لَا يَحْمِلُنِي عَلَى الْحَيْفِ عَلَيْكُمْ وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ رَضِيعًا مِنْهُمْ وَحَلِيفًا لَهُمْ، فَإِنْ قَالُوا الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْخَبَرِ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي جَوَازِ الْخَرْصِ، لِأَنَّهُ وَرَدَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سبع قبل بدو تَحْرِيمِ الرِّبَا، ثُمَّ نَزَلَ تَحْرِيمُ الرِّبَا نَاسِخًا لَهُ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا نَزَلَ أَخِيرًا، بِدَلِيلِ مَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا فَمَاتَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أن يثبتها، قِيلَ إِنْ كَانَتْ آيَةُ الرِّبَا نَزَلَتْ أَخِيرًا فَتَحْرِيمُ الرِّبَا كَانَ مُتَقَدِّمًا بِالسُّنَّةِ قَبْلَ حُكْمِ الْخَرْصِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ فَضَالَةَ بْنِ عبيد قال: بيع يوم فتح مكة وهو بخيبر قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ مِنَ الْمَغْنَمِ بِذَهَبٍ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " لَا حَتَّى تَمِيزَ " لَا يَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَحْرِيمُ الرِّبَا مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْخَرْصِ، وَلَوْ كَانَ مَانِعًا مِنْهُ مَا عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ خَارِصًا عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه ابنه بعث أنه عَبْدَ اللَّهِ خَارِصًا عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ فَسُحِرَ حَتَّى تَكَوَّعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ عَنْهَا وليس لها في الصحابة مخالف فثبت أنه إجماع.

فَإِنْ قِيلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إِنَّمَا خَرَصَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ ثِمَارَ الْمُسَاقَاةِ لَا ثِمَارَ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ فَتَحَهَا سَاقَاهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ثَمَرِهَا، وَأَنْتُمْ تَمْنَعُونَ مِنَ الْخَرْصِ فِي الْمُسَاقَاةِ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُكُمْ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْخَرْصِ فِي الزَّكَاةِ؟ قِيلَ خَرْصُ ثِمَارِ خَيْبَرَ كَانَ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ، وَلِأَجْلِ الْمُسَاقَاةِ، لِأَنَّ نِصْفَ ثِمَارِهَا كَانَ لَهُمْ بِالْمُسَاقَاةِ، وَنِصْفَهَا لِلْمَسَاكِينِ بِالْغَنِيمَةِ، وَالزَّكَاةُ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ، وَتَضْمِينُهَا لِلْيَهُودِ الْعَامِلِينَ فِيهَا جائز، فَكَانَ الْخَبَرُ دَالًّا عَلَى وُجُوبِ الْخَرْصِ فِي الزَّكَاةِ، وَدَالًّا عَلَى جَوَازِ الْخَرْصِ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخَرْصِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَالنَّظَرِ وُجُودُ الرِّفْقِ بِهِ، وَدُخُولُ الضَّرَرِ بِفَقْدِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَمْنَعَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ثِمَارِهِمْ، أَوْ يُمَكَّنُوا فَإِنْ منعُوا مِنْهَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى فَوَاتِ الْبُغْيَةِ الْعَظِيمَةِ فِي إتمامها ومن الناس من ابتياعها وفوات شَهْوَتِهِمْ مِنْ أَكْلِهَا وَإِنْ مُكِّنُوا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُمَكَّنُوا بِخَرْصٍ أَوْ بِغَيْرِ خَرْصٍ فَإِنْ مُكِّنُوا بِغَيْرِ خَرْصٍ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَاعَةِ حُقُوقِهِمْ،

<<  <  ج: ص:  >  >>